كشف تقرير صادر عن International IQ Test لعام 2025 أن الشعب اللبناني حلّ في المرتبة الأولى عربيًا وفق مؤشر الذكاء العالمي، متقدّمًا على دول المنطقة، في مفارقة لافتة بالنظر إلى الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها منذ سنوات. هذا التصنيف يطرح تساؤلات عديدة حول العوامل التي ساهمت في تحقيق هذا المركز، ومدى انعكاسه على الواقع اللبناني.
ما هو مؤشر الذكاء العالمي؟
يُعدّ مؤشر الذكاء العالمي (IQ Index) مقياسًا يعتمد على اختبارات معيارية تُقيّم القدرات الإدراكية والعقلية للأفراد في مختلف الدول. يتم احتساب التصنيف بناءً على عدة مؤشرات، أبرزها:
نتائج اختبارات الذكاء الموحدة (IQ Tests) المعتمدة عالميًا.
معدلات التحصيل العلمي ومستويات التعليم في كل بلد.
الإبداع والقدرة على حل المشكلات، بناءً على دراسات أكاديمية.
مؤشرات الابتكار والتفوّق الأكاديمي، بما في ذلك أداء الطلاب في الامتحانات الدولية.
القدرة على التكيّف مع الأزمات واتخاذ قرارات منطقية تحت الضغط.
لماذا تصدّر اللبنانيون هذا التصنيف؟
عدة عوامل قد تكون ساهمت في هذا التصنيف، أبرزها:
1. نظام تعليمي قوي رغم الأزمات: رغم التحديات الاقتصادية، يحافظ لبنان على نظام تعليمي متميز، مع تركيز كبير على العلوم والرياضيات واللغات.
2. القدرة على التكيّف مع الأزمات: الأزمات المستمرة دفعت اللبنانيين إلى التفكير بأساليب مبتكرة لإيجاد حلول لمشاكلهم اليومية، مما عزّز مهاراتهم التحليلية.
3. التعددية اللغوية والانفتاح الثقافي: إتقان اللبنانيين للغات الأجنبية، مثل الإنجليزية والفرنسية إلى جانب العربية، ساهم في تطوير قدراتهم الفكرية والانفتاح على مصادر معرفية متنوعة.
4. عقلية ريادية وابتكارية: برز اللبنانيون عالميًا في ريادة الأعمال رغم التحديات، مما يدلّ على ذكاء اجتماعي واقتصادي كبير.
المفارقة: كيف يكون أكثر الشعوب تعاسة هو الأذكى؟
وفق تصنيفات سابقة، احتل لبنان مراتب متقدّمة في مؤشرات التعاسة، حيث صنّف كواحد من أكثر الدول إحباطًا بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فكيف يمكن لشعب يعاني الفقر والهجرة والتضخم أن يكون الأكثر ذكاءً؟
يبدو أن الظروف القاسية عزّزت قدرات اللبنانيين على التكيّف، ودفعهم ذلك إلى تنمية ذكائهم بطريقة غير تقليدية. في المجتمعات المستقرة، قد لا يُضطر الأفراد إلى تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي لمواجهة الأزمات، بينما في لبنان، أصبحت هذه المهارات ضرورة للبقاء.
"الأزمات تصنع العقول المبدعة"
لتفسير هذا التناقض، أجرينا مقابلة مع مدرّب الحياة (لايف كوتش) وليد الحاج، الذي يرى أن الذكاء لا يُقاس فقط بالراحة الاقتصادية بل بالقدرة على مواجهة التحديات.
ويفسر الحاج هذا التناقض بين المعاناة والذكاء، بالقول "غالبًا ما تُنمي الصعوبات مهارات البقاء، مما يدفع الأشخاص إلى استخدام عقولهم بأقصى طاقتها. اللبنانيون تعلّموا كيف يكونون مرنين في التفكير، يبحثون دائمًا عن حلول إبداعية، ويفكرون خارج الصندوق بسبب الحاجة الملحّة للتكيّف مع الأوضاع الصعبة."
هل هذا الذكاء يترجم إلى نجاح فعلي؟ يجيب الحاج "نعم، ونراه بوضوح في المغتربين اللبنانيين الذين ينجحون عالميًا في المجالات المختلفة، من الطب والهندسة إلى التكنولوجيا وريادة الأعمال. البيئة الصعبة تصقل الذكاء، لكن المشكلة تكمن في أن الذكاء الفردي لا يُترجم دائمًا إلى رفاهية جماعية عندما يكون النظام السياسي والاقتصادي غير مستقر."
إذاً هل يكفي الذكاء؟ يرى مدرّب الحياة أنّه "رغم أن تصدّر لبنان لمؤشر الذكاء العربي لعام 2025 يُعدّ إنجازًا فكريًا، إلا أنه يفتح النقاش حول كيفية استثمار هذا الذكاء في تحقيق التغيير الفعلي داخل البلاد"، ويسأل "هل يمكن أن يترجم الذكاء الفردي إلى حلول جماعية للخروج من الأزمات، أم سيظل اللبنانيون عباقرة في التكيّف فقط، وليس في التغيير؟".
في المحصّلة، تصدر لبنان لمؤشر الذكاء العربي لعام 2025 يكشف عن مفارقة لافتة بين المعاناة والتفوّق العقلي، حيث أثبت اللبنانيون أن الذكاء لا يتشكل فقط في بيئات مستقرة، بل قد يكون نتاج الأزمات والتحديات. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن توظيف هذا الذكاء الجماعي لبناء دولة مستقرة ومتقدمة؟ أم أن العبقرية اللبنانية ستظلّ محصورة في التكيّف الفردي والنجاح خارج حدود الوطن؟ الذكاء وحده لا يكفي، بل يجب أن يُترجم إلى سياسات فاعلة، واستراتيجيات قادرة على تحقيق نهضة حقيقية تخرج البلاد من دوّامة الأزمات.