بضعُ خواطر من وحي الكلام الكثير على الاستحقاق الدُّستوري المتمثِّل بانتخاب رئيس للجمهوريَّة، الجمهوريَّة التي لم يحسم فقهاء القانون بعد هل هي الثَّانية أو الثَّالثة. والموعد خلف الباب، 9 كانون الثَّاني من السَّنة الجديدة.

خواطر لم تكتمل إلَّا بارتباط وقائعها بأشطر من أبيات من شعر أبي الطَّيِّب المتنبِّي.

- هل المشكلة في الرَّئيس واسمه وشخصه وشخصيَّته وبرنامجه وأدائه وتاريخه وإنجازاته ومواقفه، أم في الحال القائمة مذ أُشعلت الحرب في لبنان، أي جعل الوطن الصَّغير قالب حلوى على مائدة الكبار، يقتسمونها بعد أن يُتخموا، ويبدو أنَّهم، إلى الآن، لم يشبعوا حتَّى؟ حالٌ تكرَّست مذ "انتهت" الحرب على لبنان، وكلَّما دنا موعد الاستحقاق، نقول مع المتنبِّي: "بأية حال عدت يا عيدُ؟ ".

- كلُّ أمر، مهما بلغ من سذاجة أو سخافة أو تفاهة، يوظَّف أو يفسَّر على أنَّه يدخلُ في إطار شدِّ الحبال بين المسؤولين الحاليِّين (وفرقِ عملهم وبطاناتهم ووسائلهم الخفيَّة والظَّاهرة) على معركة الرِّئاسة الأولى، خصوصًا بعد أزمة فراغ مستمرة منذ سنتين وشهرين. وقد فات هؤلاء، حتى إشعار آخر، أن صاحب الأمر والنَّهي (أو أصحابهما) يضحك في عبِّه، ويردِّد في سره، أيضًا مع المتنِّبي: "أنام ملء جفوني عن شواردها...".  

- ... وغدًا، حين ينجلي غبار المعركة، بعد أن يكون حمي وطيسها، وتضرَّر إبَّانها وبعدها من تضرَّر، ولو لم يكلَّف أحدٌ إحصاء الأضرار والخسائر، أخالهم سيقفون أمام صاحب (أو أصحاب) الأمر والنَّهي، ليقولوا له بصوت واحد، كأنَّهم "كورال" محترفة، ما ارتجله المتنبِّي، أيضًا وأيضًا، في حضرة سيف الدَّولة الحمدانيِّ الذي يبدو أنَّه سُرَّ، بعدما قذفه غريمه و"حاسده" أبو فراس بدواة حبر: "... فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ أَلَمُ".

وللمناسبة، من يُكمل الأبيات المذكورة الواردة أعلاه، يربح هذا الدُّعاء: لا أصابك الله مكروهًا.

***

تاجرُ الدَّم

(نصٌّ ينطبق على تجَّار كثر، وخصوصًا على تجَّار كلمة وإعلام)

 

استيقظَ تاجرُ الدَّمِ، متحمِّسًا لعملِهِ، كما هيَ عادتُه، واعدًا الشَّيطانَ بصيدٍ ثمين.

مرَّ النهارُ، وَلَمْ يوفَّقْ بضحيَّة.

شارفتِ الشَّمسُ الغيابَ، فأخرجَ منْ جعبتِهِ جثثًا قديمةً، يعرضُها للبيعِ، فخذلَهُ الشَّارون.

نفضَ الغبارَ عنْ ذاكرتِهِ، وحاولَ أن يبيعَ قضيَّةً كانَتْ مغريةً في ما مضى. لكنَّهُ خاب.

جرحَ يدَهُ... لعلَّ دمَهُ هوَ يروي غليلَ الشَّيطانِ، فصدَّه آخرُ متجرٍ كانَ يقفلُ بابَهُ، قائلًا: لا نشتري الدَّمَ الفاسد.

عادَ إلى المنزل. استلقى على فراشِهِ يقضُّهُ أنَّ دمَ ضحاياهُ، بعكسِ دمِهِ، خمرُ شهادة.

 غلبَهُ النُّعاسُ وَالتَّعبُ، فجاءَهُ في الحلمِ تاجرُ دمٍ استيقظَ لتوِّهِ متحمِّسًا لعملِه...

***

غنًى فاحش:

حين تهزُّ المذيعة رأسها، نزولاً فصعودًا، دليلَ فهم ما يقول مضيفها... أحسُّ، أحيانًا، أنَّ كميَّة الغباء الكامنة في دماغها، والمكتنـز بها نخاعها الشوكيِّ على امتداده، والسَّاكنة حتَّى في كلِّ خليَّة من خلايا جسدها البضِّ، تكاد تخرج من الشَّاشة الصَّغيرة. وما أكثرهنَّ المذيعات الغبيَّات... وما أغنانا بالغباء، أضعافَ أضعافَ غنى المتنبِّي بوعود كافور.

***

البيت

(إلى من تركوا بيوتهم، تهجيرًا أو هجرة، ولَمَّا يعودوا)

يحلمُ المفتاحُ بإغفاءةٍ عميقةٍ في قفلِ الباب.

يتمنَّى العشبُ اليابسُ ألَّا تطأَهُ قدم.

تأملُ العنكبوتُ في أنْ تزيِّنَ الجدرانَ وزوايا السُّقوف بخيوطِها ومتاهاتها.

ينشدُ السُّكون سكونًا أكثرَ، لا يعكِّرُهُ صفيرُ ريحٍ، أوْ تمزِّقُهُ حتَّى زقزقة.

... وَيتضرَّعُ البيتُ إلى اللهِ وَإلى أصحابِهِ، أن يوافيَهُمْ إلى حيثُ هاجروا.