في عالم الجاسوسية، حيث المعلومات تساوي القوة ، برزت شخصيات تمكنت من اللعب على الحَبلين وخداع أقوى الأجهزة الاستخباراتية في العالم، لكن قلّة منهم وصلوا إلى مستوى الجاسوس المزدوج الذي خدع الجميع، رجل استطاع كسب ثقة طرفي الصراع، بينما كان ينسج خيوط الخداع بمهارة جعلته أشبه بشبح لا يُمسك.
من هو هذا الجاسوس؟ كيف استطاع تمرير الأكاذيب كحقائق، ونقل الأسرار من جهة إلى أخرى دون أن يُكشف أمره؟
والأهم من ذلك، كيف تمكن من تغيير مجرى التاريخ عبر خداع قوى عظمى؟
في هذه القصة المشوقة، سنكشف خفايا حياة أحد أخطر الجواسيس المزدوجين في التاريخ، الرجل الذي ظل لسنوات يلعب لعبة الموت بين ألعاب الاستخبارات العالمية.
في دهاليز عالم الجاسوسية، برزت أسماء كثيرة، لكن قلة منها استطاعت خداع أقوى أجهزة الاستخبارات في العالم لفترات طويلة. أحد هؤلاء الجواسيس كان “خوان بوجول غارسيا”، الجاسوس الذي لم يقتصر على خداع جهة واحدة، بل خدع الجميع، وغير مجرى الحرب العالمية الثانية.
كان خوان بوجول غارسيا، رجلاً إسبانياً امتلك سلاحاً أقوى من أي تكنولوجيا متاحة آنذاك: "الذكاء الفطري والخداع المتقن".
في بداية الحرب العالمية الثانية، قرر أن يلعب دوراً خطيراً بين بريطانيا وألمانيا، حيث نجح في أن يصبح جاسوساً مزدوجاً يعمل لصالح الطرفين، لكن في الحقيقة كان ولاؤه الكامل للحلفاء.
أحد أعظم إنجازاته كان من خلال خداع الجيش النازي خلال عملية إنزال الحلفاء على شاطئ “النورماندي” عام 1944، حين استطاع إقناع الاستخبارات الألمانية بأن الحلفاء سيهاجمون عبر "با دو كاليه” وليس عبر "النورماندي"، مما دفع النازيين إلى تركيز قواتهم في المكان الخطأ.
كان "بوجول" قد أنشأ شبكة تجسس لنقل معلومات زائفة إلى الألمان، الذين لم يشكوا للحظة في ولائه، حتى أنهم منحوه وسام الصليب الحديدي، أحد أعلى الأوسمة النازية.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء، اختفى بوجول عن الأنظار، ونشرت المخابرات البريطانية خبر وفاته في أنغولا عام 1949، لكن الحقيقة كانت مختلفة، فقد زيف موته وهرب إلى أمريكا اللاتينية ليعيش بهدوء بعيداً عن الأضواء.
لم يظهر "بوجول" مجدداً إلا في ثمانينات القرن الماضي، عندما كشف عن قصته المذهلة، التي كانت ستظل سراً لولا اعترافه بها مع المستندات والمعلومات التي أكدت صحة أقواله.
هكذا، تمكن "خوان بوجول غارسيا" من خداع الجميع، ليس فقط الألمان بل حتى الحلفاء الذين لم يدركوا مدى تعقيد لعبته إلا بعد فوات الأوان.
جاسوس لم يستخدم السلاح، لكنه غير مجرى التاريخ بعقله الحاد وخداعه المتقن، ليظل حتى اليوم أحد أعظم الجواسيس المزدوجين الذين مروا عبر التاريخ.