لم يستطع أيّ طرف أن يفهم المغزى الذي أراده النائب السابق وليد جنبلاط بإعلانه تأييد قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية. للمرّة الثانية يتقصّد جنبلاط مسابقة الموارنة إلى عرينهم، فيعلن مرشحًا لا يحظى بإجماعهم ولم يخرج من حيث يجب أن يخرج. وما زاد الأمور تعقيدًا أنّ الإعلان الجنبلاطي بتأييد قائد الجيش استبق اجتماعًا للمعارضة عقد في بيت الكتائب، لم يخرج منه ما يؤكّد صراحةً تأييد قائد الجيش، كما استبق زيارة يعتزم جنبلاط القيام بها إلى سوريا للاجتماع إلى أحمد الشرع.
استفزاز جنبلاط لاقاه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بإعلانه أنّ ترشيح جنبلاط لقائد الجيش بمثابة ترشيح هنري حلو جديد. وهذا ما أعاد الخلاف بين الرجلين مجددًا.
في ظنّ جنبلاط أنّ إعلان تأييد جوزف عون سيقطع الطريق على ترشيح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي كان ينوي زيارته وعدل عن الفكرة، كما له أن يُفهم أنّه حرق لترشيح جوزف عون نفسه.
على المقلب الآخر، كان المرشح سليمان فرنجية يفاجئ المراهنين على انسحابه من حلبة السباق الرئاسي. لم يعلن انسحابه، لكنّه ألمح إلى نيته التفاوض على ترشيح بديل. وبذلك لم يغادر العلاقة مع الثنائي كلّياً، بل لاقاهما إلى مطلبهما بعدم الانسحاب قبل الاتفاق على البديل، وردّ الصاع لرئيس المجلس نبيه بري الباحث عن ترشيح غير فرنجية حتّى قبل الاتفاق معه.
ليس معلومًا بعد كيف سيكون عليه الموقف في حال إصرار فرنجية على الاستمرار في ترشيحه حتى موعد الجلسة الانتخابية المقبلة في التاسع من الشهر المقبل، وهو ما سيشكّل إحراجًا للثنائي، اللهم إلّا إذا كان قصد فرنجية مقايضة الترشيح أو استثماره للبديل، بدل أن يكون تحصيل حاصل أو يشكّل انسحابه ورقة يستفيد منها الثنائي ولا تفيده.
بورصة الترشيحات تأخذ على جنبلاط والسُنّة استعجالهم الإعلان عن دعم الجولاني وقائد الجيش كخطوة متلازمة
ما بين تأييد الجولاني في سوريا وترشيح قائد الجيش في لبنان سباق لبناني محموم لملاقاة اللحظة الإقليمية، خصوصًا متى عبّر البعض عن اقتناعه أنّ ترشيح قائد الجيش هو مطلب أميركي فرنسي بالدرجة الأولى، بدليل إعلان جنبلاط تبنّيه بعد عودته من فرنسا مباشرة.
هنا أيضًا كثر المراهنون على أنّ التحوّل في سوريا وتسلّم الجولاني سيعنيان استكمال مثل هذا المسار بحيث تفتح أبواب بعبدا أمام سمير جعجع مثلًا. لكنّ المطّلعين على السياسة الأميركية في لبنان يؤكّدون أن الولايات المتحدة لم تقل كلمتها بعد في ما يتعلق بالمرشح الرئاسي، وإن عبّرت عبر ديبلوماسييها عن دعمه، لكنّ الترشيح الجديد لم يتبلور في انتظار تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
غير أنّ مصادر سياسية مواكبة للاتصالات الرئاسية وبورصة الترشيحات تأخذ على جنبلاط والسُنّة استعجالهم الإعلان عن دعم الجولاني وقائد الجيش كخطوة متلازمة، في حين أنّ السعودية والإمارات لم تعلنا موقفهما النهائي في هذا الشأن بعد. عدا أنّ الجولاني قد لا يكون خيار سوريا النهائي، نظرًا إلى المستجدات التي تطرأ يوميًا على الوضع في سوريا. هذه التطورات التي يترقّبها الثنائي وعينه على اختيار البديل من فرنجية، فهو لا يؤيّد ترشيح قائد الجيش لكنّه لا يرفضه بالمطلق.
تلخص مصادر سياسية إصرار فرنجية على السير في ترشيحه بالقول إنّه لم يتصرّف من تلقاء نفسه، بقدر ما كان المطلوب منه الاستمرار في الترشّح لفرملة الاندفاعة باتجاه قائد الجيش. وتقول المصادر إنّ جلسة الانتخاب البرلمانية مرهونة بعدّة عوامل، منها: تقاطع التيار والقوات على رفض ترشيح قائد الجيش، والظروف الأمنية التي قد تجعل من المتعذر مشاركة نواب حزب الله في الجلسة، وإصرار فرنجية على ترشيح نفسه، فيقلّل هذا من رصيد جوزف عون.
ثمّة سيناريو مرجّح من قبل جهات سياسية لا تستبعد عقد جلسة انتخاب يحصل بموجبها قائد الجيش على نحو سبعين صوتًا مقابل 40 لفرنجية مثلًا، هذا ما يجعل حكاية الجلسات تتكرّر، أي لا فوز للإثنين معًا ما دام شرط قائد الجيش الفوز بأغلبية 86 صوتاً غير مؤمّنة إلى اليوم.
وتنهي المصادر بالقول إنّ جوزف عون يحتلّ صدارة الترشيحات في الوقت الراهن، ولكنْ لا يعني ذلك أن انتخابه بات بحكم المؤكدّ، لأنّ العقبات لا تزال كثيرة. فإن لم يكن أهمّها التعديل الدستوري للمادة 49 فإنّ بازار البيع والشراء، ترشيحًا وانتخابًا، لم يفتح بعد، وهناك قوى سياسية تنتظر أن تباشر الدول كلامها النهائي في الرئاسة كي تبلّغ موقفها النهائي من المرشّحين. ولذلك يتجنب الجميع حرق أوراقهم قبل أن تتوضٌح الصورة، وهذا ما لا يتمّ إلّا في ربع الساعة الأخير على ما درجت عليه العادة في لبنان.