بين خروقات إسرائيل وتعقيدات عمل لجنة مراقبة وقف النار التي تتريّث في تسلم زمام مراقبة الخروقات الإسرائيلية، وبين لملمة الجراح الناتجة من الحرب وأضرارها يقع الاستحقاق الرئاسي. عين التينة التي دعت إلى جلسة الانتخاب في التاسع من الشهر المقبل تتلقّى عروضاً بالجملة لجسّ النبض رئاسيًا. "على الهدا" يهندس رئيس مجلس النواب نبيه بري الاستحقاق. يتكتّم على حركة موفديه الموزعين على أكثر من محور. عين على الخروقات وعمل لجنة المراقبة وعين على الاستحقاق، وكلاهما صعب.

ليس مؤكّدًا أنّ جلسة الانتخاب في التاسع من كانون الثاني ستنتهي إلى انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان. الاتصالات التي تنشط في الفترة الراهنة، على زخمها، لم تخرج بحصيلة تؤمّن وضع تصوّر للجلسة. حديث مستشار الرئيس الأميركي المنتخب مسعد بولس فرمل جهود البعض وأوّلهم النائب السابق وليد جنبلاط الذي كان يتوجه إلى الانفتاح على معراب بقوّة دفع من الرئيس بري وفرمل الاندفاعة ريثما تتوضّح الصورة أميركيًا. في عين التينة، يؤكّد بري لكلّ مراجعيه أنّ الرئيس سيُنتخب، وهو استكمل دعواته إلى الديبلوماسيين بتوجيه دعوة إلى الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين لحضور جلسة الانتخاب في دلالة على جدّية الدعوة . لكن كلّما اقترب الموعد بعدت احتمالات الانتخاب لغياب الاتفاق على مرشح وكثرة المرشحين في المقابل.

في آخر الأجواء المتداولة أنّ النائب ابراهيم كنعان يصول ويجول بين أهل الحلّ والرّبط الرئاسييْن للترويج لترشيحه، وثمّة من يقول إنّ ترشيحه لا يستفز معراب وعين التينة بوصفه الخارج من تكتل لبنان القوي. لكنّ الأخيرة، أي معراب، لم تلعب ورقتها النهائية بعد. عينها على ترشيح قائدها سمير جعجع لكن ليس قبل أن تنضج الظروف المناسبة. وتبتعد معراب عن ترشيح قائد الجيش. وهذا ترشيح يخضع للتطورات الأمنية التي يمكن أن تعزز حظوظه من عدمها. ثمّة من يقول إن ترشيح قائد الجيش عاد ليتقدّم الترشيحات استنادًا إلى التطورات المتدهورة التي تشهدها سوريا وسقوط حماة، التي قد يليها سقوط حمص القريبة من الحدود اللبنانية. وتتابع مصادر سياسية قولها إنّ الأمور رئاسيًا تشهد تغيّرات متسارعة بسبب وضع المنطقة والتطورات على صلة بوضع سوريا.

الخشية من موقف حزب الله بعد الحرب وكيف سيتعاطى مع من يعتبره خرج منكسرًا

في هذا الوقت، يتراجع حضور حزب الله رئاسيًا وسط تضارب المواقف لمسؤوليه. وهناك من يعتقد أنّ الحزب سلّف أوراقه الرئاسية إلى بري الذي يحاول تأمين شريحة مسيحية يؤمّن فيها ميثاقية جلسة انتخاب الرئيس بعيدًا عن التيار الوطني الحر، بدليل البرودة التي تتسم بها علاقتهما. من يتابع حديث رئيس التيار جبران باسيل في مقابلته أمس يتلمّس عتباً على الثنائي وبري على وجه التحديد، ورفضًا لترشيح سليمان فرنجية. أي أنّ الخلاف بين باسيل والثنائي لا يزال قائمًا بشأن ترشيح فرنجية.

باسيل وجّه إلى الثنائي إنذارًا مفاده أنّ الإصرار على ترشيح فرنجية يعني دفعه باتجاه التنسيق مع المعارضة، وحينذاك لا يلام. وهو ما يشير إلى عدم وجود تنسيق رئاسي بينهما. في المقابل ترفض المعارضة تسليف باسيل رئاسيًا بعيدًا عن القوات.

ثمّة من يؤكّد أنّ الجلسة ستعقد في موعدها. لكن ليس بالضرورة أن تخرج بانتخاب رئيس، بسبب التعقيدات التي لا تزال تعتري العملية التوافقية، وأنّ الثنائي، إن لم يكن واثقًا من وصول رئيس توافقي، لن يترك الجلسة تسير بخلاف ذلك.

الخشية هي من موقف حزب الله بعد الحرب. وكيف سيتعاطى مع من يعتبره خرج منكسرًا، وهذا ما يفقده موقعه، بينما يعتبر نفسه منتصرًا. وكما قال أمينه العام فإنّ وضعه السياسي لم يتغير في إشارة إلى موقعه في انتخابات الرئاسة وحجمه النيابي الذي لا يزال مؤثرًا وعصيًا على التغير.

وبغضّ النّظر عن موقع حزب الله أو الثنائي بشكل عام، فإنّ موازين القوى النيابية في المجلس الحالي لا تزال على حالها، على نحو لا يؤشّر إلى احتمال التوافق على رئيس، لكنّ التعويل على التوافق الخارجي تمامًا كما حصل في اتفاق وقف النار، وهنا لا يُستبعد الاتفاق الأميركي الإيراني على الرئيس. كذلك ليس مستبعدًا أن يكون قول بولس بالتريّث كلمة سر رئاسية من الولايات المتحدة ربما تلزم لبنان، خاصّة أنّ مستشار الرئيس يجري اتصالات مع فرقاء لبنانيين بعيدًا عن الأنظار ويسعى إلى هندسة الاستحقاق بروية.

ربّ قائل إنّ كلّ الأسماء المتداولة عرضة للحرق، بما فيها جورج خوري الأقرب الى عين التينة وبكركي، وكذلك غيره من المرشحين، بينما تُجرى هندسة الاستحقاق بهدوء ريثما تتضح عوامله الخارجية.