ثلاثة أحداث إيجابية أشاعت التفاؤل على امتداد القطاع السياحي مطلع هذا الأسبوع: الهدنة، والقدوم الباكر للزائر الأبيض، وارتفاع أعداد القادمين إلى لبنان في فترة الأعياد. "بهزّ وما بيوقع"، قالها أحد المغالين في التفاؤل، إشارة إلى أنّ لبنان قادر على النهوض سريعًا من كبوته مهما عصفت به الأزمات. سريعًا لم يعد من تأثير للرأي القائل إنّ "الفضل سبق"، فالبلد منهار اساسًا، لأنّ المستثمرين، وتحديدًا في القطاع الخدماتي، محكومون بالأمل على غرار الكثير من اللبنانيين.

ينتظر المنتجون وأصحاب المؤسسات عيدي الميلاد ورأس السنة من عام إلى آخر. فهذه الفترة من السنة تمثّل بين 15 و30 في المئة من رقم أعمال السنة المالية، تبعًا لاختلاف نوع النشاط الاقتصادي. كثيرًا ما تكون المطاعم والفنادق وشركات تأجير السيارات ومتاجر الملابس والحلي والزينة، هي الأكثر استفادة. مع العلم أنّ النشاط في أيّ قطاع يحرّك بقية القطاعات تلقائيًا مباشرة أو مداورة. إذ إنّ الطلب في القطاعات الخدماتية يشغّل الزراعة والصناعات الغذائية، واستهلاك مختلف أنواع السلع والمنتجات، كما يزيد إيرادات الخزينة. فتكبر الدورة الاقتصادية، وتعمّ الفائدة على الجميع. هذه الدورة البنّاءة في الاقتصاد ظلّت حتى الأمس القريب مقطوعة، فما الذي أعاد الأمل بوصولها من جديد؟


ينتظر المنتجون وأصحاب المؤسسات عيدي الميلاد ورأس السنة من عام إلى آخر.

أسباب ارتفاع نسبة التفاؤل

تقاطعت خلال الأيام القليلة الماضية مجموعة من الأحداث الطبيعية، والاجتماعية والسياسية، موحيةً بإمكان تخفيف قبضة الحرب على عنق الاقتصاد. فمن الناحية السياسية، يتيح وقف إطلاق النار، وإنْ مؤقتًا، فرصة لالتقاط الأنفاس بعد نحو شهرين من القصف المتواصل والتدمير الممنهج. ويسمح لأصحاب المؤسسات إخراج البضائع من المحال والمستودعات في المناطق الواقعة تحت القصف. ولا سيما في الضاحية الجنوبية لبيروت. وإعادة توزيعها على التجار والزبائن. وتترافق الهدنة زمنيًا مع فترة نهاية العام إذ تنتظر المؤسسات زيادة نسبة الإنفاق على الاستهلاك، وقدوم المغتربين وتنظيم النشاطات والفعاليات الترفيهية.

اجتماعيًا، كان لافتًا تسجيل مكاتب السياحة والسفر ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الحجوزات إلى لبنان في كانون الأول المقبل. ويتمحور الطلب بشكل أساسي من قبل المغتربين الذين يفضّلون قضاء الأعياد بجوار عائلاتهم، وفي بلدهم برغم الظروف الصعبة. إلّا أنّه "من المبكر لأوانه البناء على هذه الحجوزات، برغم إيجابيتها، لتحديد مصير الموسم السياحي"، بحسب رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر. وهذا اللا يقين يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية:

الأول، أنّ وقف إطلاق النار لن يكون مستدامًا وسيبقى هشًا إذا لم تتضح صورة الحلّ النهائي والشامل.

الثاني، أنّ نسبة وصول القادمين لن تتجاوز 20 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، إذا سلّمنا جدلًا أنّ ملاءة طيران الشرق الأوسط ستكون 100 في المئة، في ظلّ تعليق جميع شركات الطيران رحلاتها إلى لبنان، واقتصار النقل على الطيران الوطني.

الثالث، أنّ العوائد، مهما كانت كبيرة، لن تعوّض ولو جزءًا بسيطًا من الأضرار الكبيرة التي تحمّلها القطاع السياحي، منذ بدء الحرب، والتي تراوح بين 3 مليارات في أسوأ الحالات، و1.5 مليار في أحسنها.

إضافة إلى هذه العوامل، فإنّ الفنادق، تحديدًا، لن تستفيد من قدوم السياح والمغتربين، فعدا كونهم ينزلون بشكل أساسي في منازلهم، فهم يفضّلون قضاء فترة الميلاد المجيد في البيوت، "وليس ثمة أجواء تسمح بإقامة الحفلات الكبيرة ليلة رأس السنة إذا لم يُثبّت وقف إطلاق النار نهائيًا"، يؤكّد الأشقر. "وعليه سيقتصر النزول في الفنادق على جزء قليل من القادمين، ولأيام محدودة جدًا، ومن دون إنفاق كبير على المشتريات والمطاعم والحفلات، كما كان يحدث في سنوات ما قبل الحرب والانهيار الاقتصادي".

أعداد القادمين ترتفع

بالأرقام، يتوقّع نقيب مكاتب السياحة والسفر جان عبود وصول 4000 قادم يوميًا بين 10 كانون الأول و22 منه، وذلك اعتمادًا على تسيير شركة طيران الشرق الأوسط 22 رحلة يوميًا، بسعة 150 راكبًا، وبنسبة ملاءة تراوح بين 70 و80 في المئة. وتبقى هذه الأرقام، بحسب عبود، أقل بما لا يُقاس من أعداد القادمين في العام الماضي. إذ كان يعمل في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت 60 شركة طيران تقلّ حوالى 13 ألف وافد يوميًا، وعلى مدى فترة زمنية أطول.

الزائر الأبيض يصل باكرًا

طبيعيًا، حلّ الزائر الأبيض باكرًا هذا العام معطيًا الأمل بافتتاح موسم التزلج في المرتفعات في فترة الأعياد، وهذا ما يبشّر بموسم واعد. "ويعوّل أصحاب المنتجعات السياحية في كفردبيان والمزار على الموسم هذا العام"، يقول مختار كفردبيان وسيم مهنا. من دون أن يعني ذلك عدم وجود مخاوف من إمكان توسّع الحرب وتعرّض البنى التحتية للقصف على غرار ما حصل في حرب تموز من العام 2006، وتطيير كلّ الآمال المعلّقة. في كفردبيان، محطتا تزلج في فقرا والمزار. تضم المحطة الأخيرة أكثر من 30 مدرجًا أو حلبة تزلج، وتعتبر الأكبر طبيعيًا في الدول العربية. وقد جرى توسعتها بشكل كبير بعد انتهاء الحرب في تسعينيات القرن الماضي، وتجهيزها بأفضل المعدات توازيًا مع ارتفاع أعداد روادها من المقيمين والمغتربين والسياح على السواء. وكثيرًا ما يلجأ المستثمرون إلى تقليص عدد الحلبات المتاحة في فترات الأزمات لحصر التكلفة التشغيلية المتعلّقة بالصيانة والأمن والمحافظة على السلامة وغيرها من المتطلّبات اللوجستية. ويقتصر الافتتاح على بعض الحلبات على غرار ما حصل إبّان أزمة كورونا، والسنة التالية للأزمة المالية، وسنوات انحسار الثلوج. وعليه، يؤكّد مهنا "جهوزية حلبات التزلج لاستقبال روادها بغضّ النظر عن أعداد السياح والمغتربين القادمين في فترة الأعياد أو ما يتبعها من مناسبات. ولو أنّ الثقل الأساسي في تنشيط الحركة يبقى رهنًا بالسياح عمومًا، والقادمين من الدول العربية خصوصًا بين شباط وآذار، بالتزامن مع عطلة الربيع في الدول العربية. وكانت هذه الفترة من العام تشكّل موسمًا بذاته لمراكز التزلج ولمختلف الأنشطة المصاحبة في القرى والبلدات المجاورة، وكلّ لبنان".

مرة جديدة، تأمل القطاعات الاقتصادية بخفر انتهاء الحرب، ولملمة الأوضاع داخليًا وعودة السياح والمغتربين من الخارج بأعداد كبيرة. لكن حتّى لو تحقّقت كلّ الأمنيات كما يشتهي مطلقوها، فإنّ أعداد الوافدين لن تزيد خلال الشهرين المقبلين. إذ إنّ معظم شركات الطيران العالمية أعادت جدولة رحلاتها إلى مطلع العام المطل، ومن الصعب إعادة طائراتها إلى خط بيروت وإنْ توقفت الحرب اليوم.