تنفرد الجامعة اللبنانية من بين الإدارات العامّة الرسمية بوجود صندوقي تعاضد. صندوق لأفراد الهيئة التعليمية مصنّف مؤسسة عامة ذات طابع اجتماعي، تتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلالين الإداري والمالي. وصندوق تعاضدي لموظّفي الجامعة وأجرائها والمستخدمين، وهو مؤسسة ذات طابع تعاوني مرخّصة من وزارة الزراعة. الصندوقان يهدفان من حيث الشكل إلى دعم المستوى المعيشي للمنتسبين، وتأمين الخدمات الاجتماعية من صحية وتعليمية وتقاعدية. ولكنّهما يختلفان جذريًا من حيث المضمون تبعًا لحجم الدعم الذي يحصلان عليه من الدولة، كمساهمة منصوص عنها في القانون.
قبل أيام، وتحديداً في 17 تشرين الأول 2024، أقرّ مجلس الوزراء مرسوماً قضى بإعطاء وزارة التربية والتعليم العالي - صندوق تعاضد أفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية، سلفة خزينة مقدارها 220 مليار ليرة (2.5 مليون دولار). الغاية من السلفة تغطية النفقات الاجتماعية والصحّية للمنتسبين إلى الصندوق مدّة عام، وفقاً لما يقرّره مجلس إدارته. وهذا ما يتيح لكلّ أستاذ الاستفادة من نحو 1000 دولار شهرياً كبدل مساعدة اجتماعية. في حين تغيب المساعدات عن صندوق الموظفين، ويُحرم المنتسبون إليه من أبسط الخدمات الاجتماعية، ومنها المنح التعليمية، التي لم يحصلوا عليها طوال العامين، الماضي والحالي، برغم تدنّي قيمتها المراوحة بين 140 مليون ليرة و 475 مليوناً. وتتمثّل الطامة الكبرى في بدلات التقاعد، إذ ما زال الموظف المتقاعد يحصل على 4 ملايين ليرة راتباً شهريّاً عند التقاعد، أي أقلّ من 50 دولاراً بحسب سعر صرف السوق. والمساعدات "الاجتماعية" التي تقرّها الحكومة ويحصل عليها الموظفون بسلاسة مطلقة، لا تصل إلى موظفي "الجامعة" والمتعاقدين معها، إلّا بعد مطالبات ومتابعات والكثير من الإصرار والإلحاح. ومن هذه التقديمات، تبرز المساعدة المالية إلى جميع العاملين في القطاع العام والمتقاعدين الذين يستفيدون من معاش تقاعدي، وهذه المساعدة الأخيرة بقيمة 20 مليون ليرة، تصرف عن شهري أيلول وكانون الأول. ولم ينقل الاعتماد إلى مصلحة العاملين في الجامعة اللبنانية إلّا بعد سعي رئيسها البروفيسور بسام بدران مع المعنيين إلى الحصول عليها في الأشهر المقبلة.
الخوف على مصير المتعاقدين إذا لم تعاود الجامعة فتح أبوابها حضورياً، "غير مبرر"
يُعامل موظفو الجامعة اللبنانية بشكل عام، والمدرّبون منهم بشكل خاص كـ "أولاد الجارية"، بحسب المدرّب موسى سويدان. فهذه الفئة من الموظفين التي تعنى بالأعمال الإدارية، ومعاونة الأساتذة في المختبرات، ومرافقة الطلاب أثناء التدريب... ممنوعة من التثبيت، وظلّت حتّى الأمس القريب، قبل توقيع الوزير العقد الشهري، محرومة من تقاضي أجرها بشكل طبيعي في نهاية كلّ شهر. إذ كانت ساعات عمل المدرّبين تُجمع على مدار العام، وتسدّد في نهايته. ولطالما سبّبت هذه الآلية خسارة الأجور لقيمتها الشرائية في الوقت الذي كانت تنهار الليرة بشكل متسارع منذ الانهيار إلى آذار 2023. وعدا أجر الساعة المتهاوي، يتقاضى المدرّبون 300 دولار شهرياً مساعدة اجتماعية مشروطة بتأمين حضور نحو 60 في المئة من الدوام الموضوع شهرياً"، بحسب سويدان، "وربطت التقديمات بما يعطى لأساتذة الثانوي. فإن أقرّت للفئة الأخيرة زيادة أو مساعدة اجتماعية، يستفيد منها المدرّبون تلقائياً".
6 رواتب بدلاً من 13
في الوقت الذي يتقاضى موظفو الإدارات والمؤسسات العامة 13 راتباً، وبدل انتاجية يراوح بين 15 مليون ليرة للفئة الخامسة، و25 مليوناً للفئة الأولى، وعدداً من صفائح البنزين يراوح بين 8 و16 صفيحة، لا يحصل المدربون إلّا على 6 رواتب، ومساعدة اجتماعية مقدارها 300 دولار. والحجج، بحسب سويدان، هي "تعقيدات نقل الاعتمادات حيناً، وعدم توفرها مرات، والروتين الإداري وتشابك الصلاحيات بين الوزارات والجامعة في أحيان كثيرة".
المتعاقدون والتعليم عن بعد
الخوف على مصير المتعاقدين إذا لم تعاود الجامعة فتح أبوابها حضورياً، "غير مبرر"، برأي سويدان، "فالأساتذة المتعاقدون والمدرّبون الأكاديميون، سيعلّمون المواد المقرّرة في المنهج العام بشكل طبيعي. أمّا المدربون الإداريون الذي يقومون بمهمة تسجيل الطلاب، وإصدار النتائج، والإشراف على المختبرات، وصيانة أجهزة الكمبيوتر ونظم المعلوماتية... فيستخدمون برنامجاً مخصصاً للتسجيل والقيام ببقية المهمات عن بعد، ويسّيرون شؤون الطلاب بما لديهم من إمكانات. ولتسهيل التسجيل، على سبيل المثال، يرسل المدرّبون الإيصالات إلى الطلاب عبر تطبيق الواتساب، فيسدّد هؤلاء القسط بواسطة شركة "ليبان بوست"، ويعاودون إرسال الإيصال بالطريقة نفسها. وفي ما بعد يتمّ إحضار المستندات الأصلية مع عودة الطلاب والموظفين إلى الحضور الفعلي.
وعلى الرغم من هذه التسهيلات، برزت جملةٌ من المشكلات في إطلاق العام الدراسي عن بُعد، منها:
- عدم وجود برامج مخصصة لتدريس المواد التطبيقية، لكن من الممكن أن يُستوْعب الطلاب في اختصاصي المختبر وطب الأسنان وغيرهما من الاختصاصات في المستشفيات إذا لم يكونوا من النازحين إلى مناطق بعيدة.
- الاعتماد على تطبيق "زوم" الأقلّ كفاءة للتعليم عن بعد، فيما كان الأجدى الاستعانة بمنصات أكثر احترافية، منها التطبيق الأبسط "مودل" moodle.
- تأخّر بعض الكليات في إجراء امتحانات الدخول. وتعذّر فتح أبوابها لإجراء الامتحانات مع اشتداد الحرب.
- عدم إجراء امتحانات الإكمال بالمواد - "الدورة الثانية"، لطلاب السنتين الثانية والثالثة.
على الرّغم من هذه المعوقات، من المتوقع أن يرتفع عدد الطلاب هذا العام عن العدد المسجل في العام الماضي، والمقدّر بـ 60 ألفاً، على أثر إطلاق العام الدراسي عن بُعد. فالكثير من الطلاب يحجمون عن التسجيل في الجامعة اللبنانية، بسبب ارتفاع بدل الإيجارات في الأماكن القريبة من كلياتها، ولا سيما في العاصمة بيروت. وارتفاع كلفة النقل التي لا تقلّ عن مليون ليرة يوميًا للقادمين من مناطق بعيدة. وهم يفضلون التسجيل في الجامعات الخاصة القريبة ذات الأقساط المنخفضة.
ليس خافياً أنّ الأزمة الاقتصادية عرّت مشكلة الصندوقين في الجامعة اللبنانية، وأبرزت التناقضات بين الأساتذة المتفرغين من جهة، ونظرائهم المتعاقدين والموظفين والمدربين من جهة ثانية. فالمساعدات التي تُقرّ للجامعة تصل كلّها إلى صندوق المتفرغين، وتساهم في رفع الأجور والتقديمات إلى الأساتذة نحو ثلاثة أضعاف عن بقية الموظفين، بغضّ النظر عن ساعات التدريس الفعلية. وبحسب تصريحات صحافية لرئيس الجامعة، فإنّ متوسط دخل الأساتذة ارتفع إلى 2000 دولار هذا العام، في حين لا يتقاضى البقية من الموظفين أكثر من 600 دولار. فإلى متى يبقى في الجامعة الوطنية صندوقان: واحد بـ "سمنة" وآخر بـ "زيت"، لا يشعر كلّ من ينتسب إليه أنّه أقلّ شأناً من الناحية المعنوية فحسب، وإنّما لا تكفيه تقديماته لتأمين أبسط الحاجات الحياتية.