انتهى الانتظار الثقيل في الشرق الأوسط وسائر العالم إلى استعادة دونالد ترامب البيت الأبيض، وبدأت إعادة خلط الأوراق بين الحرب والسلم، خصوصاً في لبنان وغزة وإسرائيل وإيران امتداداً إلى أوكرانيا وروسيا وكوريا وتايوان.

ولا بدّ من التذكير بأن الرئيس ترامب كرر خلال حملته الانتخابية أنه كان قادراً، لو استمر في الرئاسة سنة 2020، على منع حرب غزة (واستطراداً لبنان) وحرب أوكرانيا، وسواهما من أزمات العالم، ولكنه لم يقل كيف وبأي قدرة أو وسائل، سواء بالضغط العسكري المسبق، أم بالحركة الدبلوماسية، أم ب"المَونة" على الأصدقاء (بوتين مثلاً).

وقد بات الآن أمام اختبار قدرته على ابتداع الحلول لهذه الحروب والصراعات والأزمات طالما أنه يميل، كما في ولايته السابقة، إلى شعار "أميركا أولاً" بما يعنيه من انطواء على معالجة الملفات الأميركية الداخلية خصوصاً ملفّ الشأن الاقتصادي الاجتماعي وملفّ تسريب المهاجرين غير الشرعيين.

ولذلك، لا بدّ من رصد مدى انغماسه في ما يعني منطقة الشرق الأوسط، بشؤونها وشجونها وحروبها، ومدى تفرّغه للتعامل مع طموحات صديقه، بل شريكه الأمثل، بنيامين نتنياهو الذي انتهز انهماك الولايات المتحدة في انتخاباتها كي يصفّي حسابه مع معارضيه داخل حكومته وربما خارجها، وتحديداً بعض القيادات الأمنيّة والعسكرية.

ولا يخفى أن الإدارة الإسرائيلية التي باتت صافية الآن للصقور تقابلها إدارة أميركية عتيدة صافية هي أيضاً لصقور الحزب الجمهوري في البيت الأبيض وفي الكونغرس بمجلسَيه وتالياً في كل مواقع الإدارة.

لا شك في أن هذا التلاقي، سواء كان محسوباً أو طارئاً، سيُرخي بثقله على الشرق الأوسط، توسيعاً أو تقليصاً للحرب، ولكن بالتأكيد تغييراً للتوازنات عبر إعادة رسم الخرائط السياسية، وفي مقدّمها خريطة النفوذ الإيراني، وليس بالضرورة الخرائط الجغرافية، وتطوير الاتفاقات الإبراهيمية عبر تسوية معيّنة ومقبولة للقضية الفلسطينية على أساس النتائج الميدانية والسياسية لحرب غزة، وما يصدر عن القمة العربية والإسلامية الجديدة في الرياض، وربما بدون استخدام عناوين سابقة ك"صفقة القرن" أو "الشرق الأوسط الجديد".

الواضح أن نتنياهو، مع ترامب أو بدونه، يستكمل ما بدأه تحت شعار "حرب الوجود" التدميرية الساحقة

وماذا عن الحرب في لبنان؟

الواضح أن نتنياهو، مع ترامب أو بدونه، يستكمل ما بدأه تحت شعار "حرب الوجود" التدميرية الساحقة، كمن أسكرته كؤوس "الانجازات" ويرغب في عَبّ المزيد منها.

وليس في الأفق القريب، وعلى الأقل خلال الفترة الانتقالية التي تستغرق شهرين ونصف الشهر كي يتسلّم ترامب سدّة الرئاسة، ما يلجم الآلة العسكرية الإسرائيلية، أو مَن وما يضغط دبلوماسياً لوقف إطلاق النار، إلّا في حال أعادت إيران حساباتها وتفادت خطورة الحرب الشاملة بترشيد وصايتها الميدانية المباشرة على جبهة لبنان والدخول في مفاوضات جدية لمعالجة سلاح "حزب الله" وفقاً للقرارات الدولية الثلاثة 1701 و1559 و1680، والاستفادة من المحاولة الأخيرة لإدارة بايدن بإرسال الوسيط هوكستين إلى المنطقة كما تردد.

ولا بدّ للنهج البراغماتي الإيراني الذي يتغلّب أحياناً على العقيدة المتشددة من أن تكون له الكلمة الفصل في بلوغ تسوية تاريخية لإنقاذ مَن وما تبقّى من لبنان بشعبه وأرضه.

صحيح أن إيران تضع تحكّمها بدول عربية أربع في سلّة واحدة مع أموالها المحتجزة وملفّها النووي، ولكنها قابلة للمساومة على الأولويات، فتفتدي مثلاً رفع العقوبات بتقليص النفوذ، وتدرك أن انحسار نفوذها في سوريا، كما بات يظهر للعيان، يمكن أن يتكرر في لبنان والعراق واليمن، وأن الحرب ليست الخيار الأفضل. وهي تستشعر أن قبضتها على لبنان نفسه بدأت تتراخى بفعل الانتكاسات التي تلقّتها ذراعها الفضلى.

إنها أسابيع، قبل حلول الربيع، ترسم آفاق الشرق الأوسط، ومن بينها أفق لبنان، فلعلّه يكون أفقاً ربيعياً.