لم يعد هنالك أمل لنجاح مفاوضات وقف النار في الجنوب. في تصريحاته يؤكّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الاستمرار في توسعة عمليات جيشه العسكرية على الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية والبقاع. لم يعد لاعتداءاته من خطوط حمر. كلّ المناطق عرضة للاستهداف على نحو ينذر بأيام صعبة، لا سيما مع توقّف مساعي الموفد الأميركي آموس هوكستين الذي غادر تل أبيب عائداً إلى واشنطن، بعدما كان مفترضاً أن يزور بيروت من أجل أن يسلّم إلى لبنان جواب إسرائيل عن المقترحات التي سبق أن ناقشها مع رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي. عدم عودته تعني فشل المفاوضات، وأنّ المشاورات لوقف النار جُمّدت إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

علماً بأنّ مراسيل الوساطات مع رئيسي البرلمان والحكومة لم تتوقّف، إذ لا تزال فرنسا تواصل مساعيها في سبيل تطبيق لبنان وإسرائيل القرار 1701، ولكنّها تصطدم بعقبة رفض نتنياهو التفاوض الجدي قبل انتخاب الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأميركية. يرفض إهداء قرار كهذا إلى إدارة جو بايدن التي من غير المضمون عودتها إلى الحكم، وهو يناسبه التفاوض في ظلّ وجود دونالد ترامب.

لا تزال فرنسا تواصل مساعيها في سبيل تطبيق لبنان وإسرائيل القرار 1701...

جميع الصيغ ومسودّات الاتفاق التي جرى الحديث بشأنها خلال الأيام الماضية تفتقد الدقة. الثنائي لم يتلقّ مسودة رسميّة بل مجرّد أفكار، رفضها قبل أن يتسلّمها لما تتضمنه من شروط تقيّد حركة حزب الله وتحدّد نقاط وجوده، بينما لا تحاكي اعتداءات إسرائيل بل تمنح الأخيرة الحقّ في أن تشنّ عمليات في الجنوب متى وجدت أنّ حدودها مهددة.

في هذا الوقت، يتحرّك الميدان ليحسّن موضع لبنان التفاوضي. أخبار الميدان التي تمنع إسرائيل من التوغّل مسافات بعيدة داخل القرى والبلدات الحدودية، تشير إلى حجم المعارك التي يخوضها حزب الله موقعاً أعداداً من القتلى والجرحى في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلي. يبدي حزب الله اطمئناناً لمواجهاته في الميدان. قدراته العسكرية تخوّله الاستمرار في خوض المواجهات أشهراً إضافية ومعنويات عناصره عالية.

على وقع الميدان، يتابع حزب الله حركة هوكستين وما يتحدّث بشأنه. لم يتلقّ أيّ صيغة لوقف النار أو لتطبيق القرار 1701. هذا القرار الذي لم تعد إسرائيل تعتبره كافياً، ويرفض لبنان إضافة أي تعديل إلى مضمونه. وهذه نقطة الخلاف الأساسية، إذ كيف لحزب لم يعلن التزامه القرار يوم أقرّ عام 2006 أن يعلن التزامه مندرجاته اليوم من جانب واحد، وقبل أن تعلن إسرائيل استعدادها لتطبيقه.

يؤكّد حزب الله أنّ الالتزام بأيّ صيغة لوقف النار لا تتناسب مع شروطه ليس وارداً عنده. مع تمسكه بالحاجة إلى تخفيف المعاناة عن الأهالي، لكنّه في المقابل لم يتسلّم اقتراحات جديدة، والمتداول في وسائل الإعلام غير صحيح، ويندرج في سياق محاولات إسرائيلية للتضليل.

كلّ ما يقوم به الموفد الأميركي مردّه، بحسب قراءة حزب الله، إلى الانتخابات الأميركية، وسعيه إلى تحقيق إنجاز ما يصبّ في خانة المرشحة كملا هاريس التي لم تعد نقاطها الانتخابية متباعدة عن نقاط خصمها المرشح دونالد ترامب.

عاملان يتحكّمان بالحرب الإسرائيلية الراهنة على لبنان، ميدان حزب الله الذي تقول بوادره إنّ النتائج ستصبّ في مصلحة تقوية الموقف اللبناني المفاوض، ولكن ليس قبل أن يُنتخب رئيس جديد لأميركا كي تتضح معالم السياسة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط ولبنان ضمناً.

والعامل الثاني هو جمود النقاشات المتعلّقة بوقف النار، وتوقّف المساعي، ولو أنّ هناك من يؤكّد إصرار فرنسا وقطر على المضي قدماً إلى تحقيق وقف مؤقّت للنار وانتخاب رئيس. لكن المسألة باتت في يد حزب الله مجدداً، فهو عاد يتحكّم بالميدان وتالياً بالمفاوضات المقبلة التي ستتضح معالمها في الأسابيع القليلة المقبلة.

مرتاح حزب الله إلى ميدانه. والى تعافيه البنيوي ويستعدّ لاستكمال تعييناته وترتيب بيته الداخلي. إذ سيعيّن قريباً نائباً للأمين العام ورئيساً لمجلس الشورى بعدما استكمل التعيينات العسكرية. أفضل ما يتحدّث عنه أنّ ميدانه العسكري لم يتأثر بواقعه السياسي، ويقول إنّ كلّ التعاطي السابق معه تمّ على أساس أنه انتهى برحيل أمينه العام، وعلى هذا الأساس عاجل هوكستين وآخرون بتقديم اقتراحات لمصلحة إسرائيل وتضعف موقف لبنان.