قد يكون بنيامين نتنياهو "ميّت رعبة" فعلاً، على حدّ تعبير الأمين العام الجديد لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأول يوم أمس بعد تعيينه في هذا المنصب.
وقد يكون قوله "المقاتلون هم أصحاب الأرض فلا أحد يقاتل نيابةً عَنّا ولا لمشروع أحد" يقع في موقعه الصحيح.
وقد يكون توصيفه للحرب بأنها نتيجة ما وصفه بـ"الدفاع الاستباقي" و"الهجوم الدفاعي" الذي قام به "الحزب" في 8 تشرين الأول (أوكتوبر) 2023، لئلّا "تباغتنا إسرائيل وتنفّذ بطريقة ما مخططاتها"، توصيفاً واقعياً.
لكنّ الحرب تخطّت الآن، بفعل نتائجها الكوارثية ووقائعها الميدانية، مرحلة تحديد الأسباب وتبرير الخطوات وتحميل المسؤوليات أو توزيعها، إلى مرحلة البحث عن الإجراءات العملية لحقن الدماء وحصر الأضرار ووقف المأساة.
فتاريخ الحروب يسجّل، قبل أي شيء آخر، نتائجها وشروط انتهائها والاتفاقات التي أسفرت عنها، ويكتفي بذكر عابر لأسبابها، مثل مصرع ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانك فرديناند في الحرب العالمية الأولى، أو محاولة اغتيال سفير إسرائيل في لندن شلومو أرجوف في حرب 1982 على لبنان.
لذلك، تتطلّب معالجة الوضع الشديد التعقيد "أفكاراً بسيطة" كما قال ذات يوم الجنرال شارل ديغول عشية توجهه إلى الشرق. وهذه الأفكار باتت معروفة في أوراق الوسطاء الدوليين، ويمكن تكثيفها في ورقة واحدة تحت عنوان "التنفيذ الحرفي" للقرار الدولي 1701.
وهذه العبارة التي يقبلها شكلاً طرفا الصراع، إسرائيل وإيران عبر "حزب الله"، يتحفّظان فعلاً عن مضمونها، ولا بدّ للوساطة الأميركية والدولية من أن تنجح في توحيد قراءة القرار، بكلّ مضامينه ومندرجاته، لمعالجة مأزقَي الطرفَين المتصارعَين.
فمأزق نتنياهو أنه، بعدما انتشى ب"إنجازات" ميدانية في لبنان وغزة، رفع أهدافه إلى حدّ عدم إمكان تحقيقها إلّا بالنار والحرب المستدامة، لاسيما في مجال القضاء التام على ترسانة "الحزب" وتشكيلاته المقاتلة ليس فقط في منطقة عمليات قوات الطوارىء الدولية والجيش اللبناني في الجنوب بل في سائر لبنان وصولاً إلى الحدود مع سوريا والمرافق البحرية والجوية لمنع إعادة تسليحه، وبات يحتاج إلى مساعدة لإنزاله عن أعلى درجات سلّمه.
ومأزق فريق "الحزب - إيران" أنه لم يقتنع بعد باستحالة العودة إلى وضع ما قبل 8 ت1 2023، ويصعب عليه جداً التسليم بالإخلاء الفعلي لمنطقة جنوب الليطاني، فهذا الإخلاء يعني له التخلّي عن عنوان المقاومة ومبرّر سلاحها، والتأسيس لمرحلة إعادة تموضع النفوذ الإيراني على شاطيء المتوسّط تمهيداً لإنهائه.
وبين المأزقَين تتحرّك الدبلوماسية الأميركية تحت ضغط الوقت، لعلّها تنجح في "السبرنت" الأخير من السباق إلى البيت الأبيض، وهذا ما يفسّر اتجاه إدارة بايدن إلى إيفاد مبعوثَين رئاسيَّين وقائد القيادة الوسطى دفعة واحدة إلى إسرائيل بعد إيفاد وزير الخارجية وكبار مجلس الأمن القومي.
فهل ينجح الثلاثة حيث فشل جميع سابقيهم؟
والواضح أن هذه الوساطة تصطدم بشروط نتنياهو المتصلّب، كما تصطدم بموقف إيراني متشدّد عبّر عنه الشيخ قاسم بقوله "إذا رغب الإسرائيليون في وقف الحرب سنقبل ذلك ولكن بالشروط التي نراها مناسبة ومؤاتية".
فبين شروط هنا وشروط هناك تتعثّر الدبلوماسية الأميركية خصوصاً مع تضاؤل وهجها في المرحلة الأخيرة لإدارتها.
ويبقى الرهان، ليس فقط على الانهاك المزدوج لدى المتصارعين، بل على شجاعة المحاربين في احتساب النتائج الثقيلة للاستمرار العبثي بمعاقرة الموت المجاني في حرب بلا هدف.
وقد يكون إعلان إسرائيل عن قرب إنهاء عملياتها البرية وعن زعمها أنها قضت على ثمانين في المئة من قدرات "الحزب"، وعدم رفع إيران عقيرتها بالرد على الغارات الأخيرة، مؤشّرَين إلى حصر الحرب، بأثمانها الموجعة، في ميدانها اللبناني فقط، وهذا ما يؤكّد استبعاد الحرب الشاملة في المدى المنظور على الأقل.
لكنّها للأسف "حرب شاملة" من "قسمة ونصيب" لبنان، حديدان الميدان!