وفي العام الخامس على أكبر انهيار اقتصادي تشهده دولة منذ أواسط القرن التاسع عشر، وضعت "مجموعة العمل المالي" (FATF) لبنان على "اللائحة الرمادية" عقب اجتماعها الثالث والأخير للعام 2024، في باريس، وهو الاجتماع الأول برئاسة المكسيك لمدّة عامين.
إدراج دولة ما على "اللائحة الرمادية" يعني، ببساطة، إخضاعها للرقابة المتزايدة من أجل إصلاح أوجه القصور الأساسية في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار السلاح. إذ تقوم "مجموعة العمل المالي" في واحد من الاجتماعات التقويمية الثلاثة، التي تعقدها في شباط وحزيران وتشرين الأول، بمراجعة مدى التزام الدولة الموضوعة تحت المُرَاقبة تنفيذ الإصلاحات، وتقويم أدائها المتفق عليه معها مسبقاً ضمن مهلة محددة. وكلّما أسرعت الدولة إلى معالجة نقاط الضعف باتت فرصتها أكبر في الخروج من "اللائحة الرمادية".
لبنان تحت المراقبة الجدية
في اجتماعها الأخير المنعقد في باريس بين 21 و25 تشرين الأول الجاري، أضافت "مجموعة العمل المالي" لبنان إلى اللائحة الرمادية، مع ثلاث دول جديدة هي: الجزائر،. أنغولا، وساحل العاج (كوت ديفوار). ومما يتبيّن بحسب التقويم أنّ لبنان يرزح تحت أكبر عدد من أوجه القصور المطلوب معالجتها في غضون عامين، تنتهي في العام 2026 بدلاً من العام 2025 نتيجة ظروف الحرب التي يمرّ بها البلد"، بحسب المحامي كريم ضاهر العضو المستشار في لجنة الامتثال لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب في نقابة المحامين في بيروت، و المحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة. وإذا أثبت لبنان من خلال عمليات التقويم السنوية جدّية في تحقيق الإصلاحات وتطبيقها، يمكن أن يُعطى فرصة إضافية، وإنْ لم ينجزها كلّها. أمّا في حال عدم إحراز أيّ تقدم مع الإصرار على تجاهل المطلوب، فمن غير المستبعد أن يصنّف دولة غير متعاونة. وبالتالي، يخفض إلى اللائحة السوداء إلى جوار إيران وميانمار وكوريا الشمالية".
النقاط المطلوبة من لبنان في اللائحة الرمادية
إذاً، في تشرين الأول 2024، تعهّد لبنان العمل مع "مجموعة العمل المالي" – (FATF)، ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – (MENA FATF) لتعزيز فعالية نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على الرّغم من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الصعبة التي يواجهها. ومنذ اعتماد تقرير التقويم المتبادل في أيار 2023، أحرز لبنان تقدّماً في العديد من الإجراءات الموصى بها في تقرير التقويم المتبادل وطبق تدابير على قطاعه المالي، بما في ذلك من خلال إصدار تعميم للمصارف والمؤسسات المالية لإنشاء إدارة مخصصة لمكافحة الجرائم المتعلقة بالرشوة والفساد والتوجيه بشأن الأشخاص المعرضين سياسياً، مع اتخاذ تدابير ضد النشاط المالي غير المرخص.
وعليه سيواصل لبنان التعاون مع مجموعة العمل المالي لتنفيذ خطة عملها من خلال النقاط العشر التالية:
- إجراء تقويم لمخاطر تمويل الإرهاب وغسيل الأموال المحددة في تقرير التقويم المتبادل وضمان وجود سياسات وتدابير للتخفيف من هذه المخاطر.
- تعزيز الآليات لضمان التنفيذ في الوقت المناسب والفعال.
- تعزيز فهم المخاطر لدى الأعمال والمهن غير المالية المحددة وتطبيق عقوبات فعالة ومتناسبة ورادعة في حال انتهاك التزامات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
- ضمان تحديث معلومات المالكين المفيدين ووجود عقوبات كافية وتخفيف المخاطر للأشخاص الاعتباريين.
- تعزيز استخدام السلطات المختصة لمنتجات وحدة الاستخبارات المالية والاستخبارات المالية.
- إظهار زيادة مستدامة في التحقيقات والملاحقات القضائية والأحكام القضائية لأنواع غسل الأموال على نحو يجاري المخاطر.
- تحسين النهج في استرداد الأصول وتحديد تحركات العملات والمعادن والأحجار الكريمة غير المشروعة عبر الحدود، وضبطها.
- متابعة تحقيقات تمويل الإرهاب وتبادل المعلومات مع الشركاء الأجانب في ما يتعلق بالتحقيقات في تمويل الإرهاب، كما هو مطلوب في تقرير التقويم المتبادل.
- تعزيز تنفيذ العقوبات المالية المستهدفة من دون تأخير، وخاصة على الأعمال والمهن غير المالية المحددة وبعض المؤسسات المالية غير المصرفية.
- إجراء مراقبة مستهدفة ومبنية على المخاطر للمنظمات غير الربحية العالية المخاطر، من دون تعطيل أو تثبيط أنشطة المنظمات غير الربحية المشروعة.
سيواصل لبنان التعاون مع مجموعة العمل المالي لتنفيذ خطة عملها...
الخوف من تقاذف المسؤوليات
أكثر ما يخشاه ضاهر إزاء هذه النقاط البالغة الجدية والحساسية المطلوبة من "مجموعة العمل المالي" هو "استمرار حالة الإنكار في الأوساط السياسية والنقابية اللبنانية، وتقاذف المسؤوليات، محمّلة الدولة عدم إقرار القوانين الاصلاحية، والقضاء عدم استقلاليته". إلّا أنّ التدقيق في الشروط المطلوبة يظهر أنّ الشق الأكبر منها "تقني وليس سياسياً"، يضيف ضاهر. "فالمطلوب من لبنان بناء نظام متكامل يمنع إمكان تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، ويحدّ من تجاوزات القطاعات ذات الصلة، التي لا ترتبط بالمصارف والمؤسسات المالية فحسب، إنّما تمتد أيضاً إلى تجار المجوهرات والكتّاب العدل والمحامين. والمطلوب أن تكون الأنظمة المتبعة قادرة على كشف عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والتبليغ عنها. وعند التبليغ يأتي دور القضاء في متابعة العملية لتطبيق العقوبات. وهي العقوبات التي يجب ألّا تنحصر بالفاعل بل أيضاً بكلّ من تردّد في المساعدة على كشف حالات تبييض الأموال. وعلى الرّغم من أنّ النظام القضائي اللبناني يلحظ العقوبات، فإنّ لا يطبّقها مع أنّها متساهلة مقارنة بالجرم. ويجب أن تكون أقوى وأفعل".
اللافت أنّ النقاط المطلوب من لبنان تحقيقها لا تأتي على ذكر إعادة هيكلة المصارف، أو ألّا يكون رئيس هيئة التحقيق الخاصة هو حاكم المصرف المركزي... ومجابهة الاقتصاد النقدي وغيرها مما ينشر بشكل غير دقيق. إنّما هناك خطة عمل من 10 نقاط محددة. وتتضمن مراحل دقيقة تقنية يُقوّم لبنان على أساس تنفيذها. وهذه المرحلة الفاصلة ستترافق، بحسب ضاهر، مع "صعوبات أكبر في المعاملات المصرفية، وكلفة أعلى، وإمكان قطع الجهات المالية الخارجية التعامل مع لبنان، انطلاقاً من تقويم المخاطر التي تراها مناسبة.
المؤسف في كلّ ما يجري هو أنّ لبنان أُمهل لأكثر من عامين لتطبيق هذه الشروط. إذ بيّن التقويم المتبادل للجمهورية اللبنانية الذي اجرته (MENA - FATF)، بين 18 تموز و3 آب 2022 نقاط الضعف في مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وحدّد التوصيات بشأن كيفية تعزيز النظام. إلّا أنّ لبنان أهمل طويلاً الإصلاحات. فكانت النتيجة وضعه على اللائحة الرمادية. فهل يلتزم هذه المرة الإصلاحات أم يستمر في الإنكار وصولاً إلى تصنيفنا بالدولة المارقة.
كادر 1
الدول المصنّفة على اللائحة الرمادية هي: الجزائر، أنغولا، بلغاريا، بوركينا فاسو، الكاميرون، ساحل العاج، كرواتيا، الكونغو، هاييتي، كينيا، لبنان، مالي، موناكو، الموزنبيق، نامبيا، نيجيريا، الفيليبين، جنوب افريقيا، جنوب السودان، سوريا، تانزانيا، فنزويلا، فيتنام، اليمن.
الدولة التي لم تعد خاضعة لمراقبة متزايدة من قبل "مجموعة العمل المالي" هي: السنغال.
الدول المصنّفة غير متعاونة ومدرجة على اللائحة السوداء هي: إيران وميانمار وكوريا الشمالية.