من باريس يبدأ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي جولة أوروبية غايتها طلب المساندة للضغط على رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو لوقف حربه على لبنان. نسّق ميقاتي خطواته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. معاً أعدّا الجواب على طرح الموفد الأميركي آموس هوكستين حول آليات تطبيق القرار 1701.
يريد هوكستين من لبنان الالتزام بتطبيقه من جهة واحدة، وسحب سلاح حزب الله وعناصره إلى ما بعد شمال الليطاني، بمعنى آخر إلى ما بعد الحدود التي رسمتها إسرائيل بالنار من خلال غاراتها الحربية التي محت قرى وبلدات ودمّرتها تدميراً مركّزاً. منذ غادر لم يخف بري تشاؤمه. قال إنّ هوكستين حمل كلاماً جدّياً عن القرار 1701. سئل عن جواب إسرائيل. التزم الصمت. قال إنّه سيأتي بجواب من نتنياهو. كان أغلب الظنّ أنّه جواب ديبلوماسي، فإذا بنتنياهو يجيب بالنار.
الزيارة التي كان يفترض أن تعزّز آمال وقف النار، وتؤسس لاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، خيّبت حسابات المراهنين. لم ينجح الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين في أن يحقّق تقدّماً على مستوى وقف النار. صيغة وحيدة حملها، وهي المطالبة بتطبيق القرار 1701، مضافاً إليه القرار 1559 ضمناً. يريد هوكستين انسحاب حزب الله حتّى مسافة بعيدة عن الحدود الشمالية لإسرائيل، وتعزيز صلاحيات قوات الطوارئ العاملة في جنوب لبنان وانتشار الجيش اللبناني على طول هذه الحدود. هي زيارة إملاءات وليست زيارة وسيط يسعى إلى اتفاق لوقف النار بين طرفين. هذا هو الانطباع الذي خلّفه عقب زيارته، فلم يلق تجاوباً بالشكل الذي تصوّره. غادر على أمل أن يجلب ردّ إسرائيل. لم يطل الوقت حتّى جاء الجواب بتصعيد إسرائيلي لا مثيل له، تركّز على الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.
فُسّر العدوان على مدينة صور رسالة إلى بري، لما لهذه المدينة من امتداد سياسي متّصل بحركة أمل، كان سبقها تهديد مستشفى الساحل لصاحبها النائب في كتلة التنمية والتحرير التي يترأسها بري، فادي علامة. كانت إسرائيل بصدد تدميرها لولا تدخّلات مباشرة من الأميركيين. حُيّد المستشفى ولم تُحيّد بقية المناطق والقرى والبلدات التي نزلت عليها الغارات كزخّ المطر في اليومين الماضيين.
ديبلوماسياً، بعد هوكستين، كما قبله. مجرّد اتصالات لا تركن إلى أساس واضح، عرّابها ميقاتي الموجود في العاصمة الفرنسية لحضور مؤتمر باريس من أجل دعم لبنان ومساعدته للخروج من أزمته الراهنة. مستوى حضور المؤتمر رسالة واضحة إلى أنّ لبنان لم يُدرج بعدُ على لائحة اهتمام العواصم الفاعلة دولياً وعربياً. يكفي للدلالة على ذلك، غياب التمثيل الوازن أميركياً، وكيف أنّ الدول اكتفت بمساعدات لا تقارن بما شهدناه في أعقاب حرب الـ 2006.
منذ غادر هوكستين، تقصّد برّي إشاعة أجواء إيجابية عن الزيارة قال إنّ ضيفه الأميركي حمل عناوين وطرحها للبحث. استفسر لبنان عن موقف إسرائيل وهل كانت بصدد الالتزام بالقرار 1701، فلم يملك جواباً. انتهى الاجتماع وبقيت حرب إسرائيل مشتعلة.
حتى في مؤتمر باريس سعى نتنياهو إلى منع المساعدات عن لبنان ونجح نسبياً
بانعقاد مؤتمر المساعدة، اتجهت الأنظار نحو باريس وما ستشهده من اجتماعات يقوم بها ميقاتي في محاولة لوقف النار في لبنان. قال ميقاتي إنّ وقف النار يتوقّف على إسرائيل. نسّق زيارته كما موقفه مع رئيس مجلس النواب وحزب الله ضمناً. الأولوية لوقف النار، ومن ثم يمكن بحث الكثير من البنود العالقة في القرار 1701 الذي يصرّ لبنان على عدم تعديله متعهّدا الالتزام بتنفيذه كاملاً.
حتى في مؤتمر باريس سعى نتنياهو إلى منع المساعدات عن لبنان ونجح نسبياً. ثمّة من يتوقّع بشائر إيجابية منتصف الشهر المقبل، استناداً إلى الميدان. فالأيام المقبلة ستشهد ضربات نوعية تعيد تعديل كفة المواجهة لمصلحة حزب الله الذي يتصدّى لمحاولات التوغّل الإسرائيلية على القرى الحدودية.
حتّى إعداد هذا التقرير لم يكن للديبلوماسية أثر حتّى في باريس. زخم الاتصالات اللبنانية في الخارج، لم يحقق أيّ خرق. بقي نتنياهو وبقيت غارات طائراته الحربية تقضي على ما تبقّى من القرى والبلدات في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت. يكمل نتنياهو بضوء أخضر أميركي اعتداءاته التي قد تستمر إلى موعد الضربة الإسرائيلية على إيران، وما بعد الانتخابات الأميركية. يأمل لبنان أن يضغط هوكستين على إسرائيل للالتزام بتطبيق القرار 1701 وهو أمر غير محسوم. "مستعد لبنان لتطبيق هذا القرار ويلتزم نصّه بعد نشر الجيش على الحدود" قال بري للموفد الأميركي. بالمقابل، قال رئيس الأركان الإسرائيلي أنّه يمكن إنهاء الحرب على جبهة لبنان لأنّه تم القضاء على القيادة العليا لحزب الله. فيما يواصل الحزب تكبيد العدو خسائر فادحة بالعناصر والعتاد عند الحدود، حيث يعتبر أن إسرائيل دخلت في حرب استنزاف في لبنان. يبدو أنّ الكلمة ستظلّ للميدان وفيما كان البعض يمنّي النفس بترجمة سريعة لمفاعيله بالمفاوضات، يبدو أن الحلول لا تزال مستبعدة.