في مؤتمره الصحافي من منطقة الباشورة، قال نائب حزب الله أمين شري رداً على سؤال عن المبادرات السياسية بشأن وقف النار وتطبيق القرار 1701 "إنّ الكلمة اليوم للميدان"، وآزره زميله في الكتلة نفسها الدكتور إبراهيم الموسوي الذي أضاف إلى ما قاله أنّ "التنسيق يتمّ مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحين يتوافر اقتراح يبنى على الشيء مقتضاه". ثم عاود التأكيد "أنّ الأولوية اليوم للميدان، والميدان وحده".

في موازاة الميدان والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على كلّ الأراضي اللبنانية، يحاول لبنان الرسمي أن يحقّق خرقاً عبر الديبلوماسية، لربما أفضت الجهود إلى وقف لإطلاق النار كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله موافقاً عليه قبيل استشهاده. خلال الاجتماع الثلاثي في عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط واتفقوا على بلورة ورقة عمل يجمع عليها الفرقاء كلهم، تنادي بوقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 وانتخاب رئيس للجمهورية، ليكون في قلب ضمان تطبيق هذا القرار. بادر الاشتراكي إلى الجولة على القوى السياسية لضمان تكاتفها مع جهود بري وميقاتي. وستكون بكركي أساسآً في التواصل الذي يجريه ميقاتي مع البطريرك الراعي .

المطلوب توافق محلي على موقف يتوجه به لبنان الرسمي إلى الغرب لتحريك المبادرات باتجاهه رغم الشكوك في نجاحها، ويأتي هذا على وقع تصدّي المقاومة للغزو الإسرائيلي في الجنوب ومضي اسرائيل في توجيه ضربات موجعة إلى الضاحية وبيروت والجبل بعد الجنوب والبقاع.

تصطدم أيّ محاولة لوقف النار أو مسعى لتحريك الجمود الرئاسي بالتطورات العسكرية في الميدان. منذ اغتيال إسرائيل السيد حسن نصر الله جمّدت الولايات المتحدة تحرّكها في لبنان. عودة الموفد الأميركي آموس هوكستين غير واردة حالياً، والسفيرة الأميركية لم تزر عين التينة منذ الاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف السيد نصر الله. في المقابل، يسعى الجانب الفرنسي إلى إثبات حضوره بمبادرة رئاسية ووقف إطلاق النار، لكنّ دوره يتلاشى في حمأة الحرب الإسرائيلية على لبنان.

هي من المرات النادرة التي لا نشهد فيها تحرّكاً للمبادرات الخارجية لوضع حد لاعتداءات إسرائيل. حتّى عبارات الاستنكار خجولة تماماً، كما المساعدات الخارجية لمواجهة أزمة النازحين الآخذة في التمدد بسبب الاعتداءات الإسرائيلية التي شملت الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية في الوقت نفسه.

في هذا الوقت، تبرز محاولات داخلية تجاه عين التينة التي تعتبر المنطلق لأيّ حراك سياسي يتعلّق بالمساعي الديبلوماسية أو بانتخابات رئاسة الجمهورية. همّ كبير ملقى على عاتق بري بعد استشهاد السيد حسن نصر الله. خسر بري شريكه في الثنائية ورفيق دربه والرجل الذي لم يشهد عهده أيّ اصطدام في العلاقة بين حزب الله وحركة أمل، وحافظ على هذه العلاقة على حساب علاقات بأطراف أخرى في بعض الأحيان.

للمرة الثانية، يزور رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل عين التينة. مجدداً يعود الحديث إلى محاولة لملمة الوضع الداخلي، والتركيز على الوحدة الداخلية والتشاور المحلّي في سبيل إيجاد مخرج لانتخابات رئاسة الجمهورية.

بعد اغتيال أمينه العام واشتعال الميدان يبدو الحديث من قبل حزب الله عن الرئاسة ضرباً من المستحيل. التعويل على انكساره لتمرير رئيس خارج إراداته أو خارج الاتفاق معه غير وارد، وخطوة لن يقبلها بري كما التيار الوطني الحر، وإن كانا معاً لا يمانعان الاتفاق على اسم مرشّح من خارج الأسماء المتعارف عليها. منطق الأمور يقول إنّ الأوضاع تبدلت وانتخاب سليمان فرنجية الذي لم يحظَ بتوافق في حياة السيد نصر الله لن تتحسن حظوظه بعد استشهاده.

جهود حزب الله منصبّة على الميدان وحده...

بناء على مصادر رسمية ليس المتوقع أن تظهر نتيجة الحراك السياسي سريعاً. ما يجري العمل عليه هو تطويق الوضع الداخلي عبر طرح مبادرة عنوانها وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1791 وانتخاب رئيس للجمهورية. يرمي طرح هذه المبادرة إلى سحب فتيل التفجير الداخلي واستجلاب المبادرات الخارجية. يعلن لبنان موافقته على وقف غير مشروط لإطلاق النار ملقياً بالكرة في ملعب إسرائيل والمجتمع الدولي ليتحمّل مسؤولياته. تقول مصادر سياسية إنّ المقصود إطلاق حركة سياسية تؤمّن شبكة أمان داخلية، وإظهار حقيقة نيات رئيس وزراء إسرائيل المتفلّت من أية قيود في اعتداءاته على لبنان.

في الأجواء الحكومية أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالاتفاق مع بري، آثر منذ اغتيال الأمين العام لحزب الله، الإعلان عن رغبة لبنان في أيّ مسعى يؤدي إلى وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، وهو لم يكن في وارد زيارة نيويورك لو لم يتلقَّ ضمانات أميركية بموافقة نتنياهو على اقتراح كهذا، وذهب هذا الأخير بعيداً في إعطاء الجيش الإسرائيلي الضوء الأخضر لتنفيذ اعتداءات ضد لبنان أثناء وجوده في نيويورك.

وكما قبيل استشهاد أمينه العام كذلك بعده، فإنّ جهود حزب الله منصبّة على الميدان وحده، خصوصاً بعدما تضاعفت مسؤولياته في إعادة ميزان القوى لمصلحته جراء الضربات التي مني بها، وآخرها اغتيال أمينه العام. إنّه منزعج من أيّ كلام عن وقف النار من دون الأخذ في الاعتبار وضع الميدان، كما هو منزعج من سردية انتخابات رئيس للجمهورية بينما البلاد تغرق في اعتداءات إسرائيلية آخذة في التوسع لتشمل العاصمة بيروت.

من زيارة ميقاتي وجنبلاط إلى عين التينة وصولاً إلى جولة الاشتراكي على القوى السياسية، هذه كلّها محاولات لتأمين شبكة أمان وطنية حول رئيس المجلس النيابي الذي يسعى إلى تظهير موقف الدولة الرسمي بالتعاون مع رئيس الحكومة كجزء من التكتيك لاحتواء الضغط الدولي. نجاح تلك المحاولات موضع تشكيك ما دامت دول العالم تغضّ الطرف عن اعتداءات إسرائيل على لبنان وتريد لأيّ تسوية أن تنطلق من نتائج الميدان بشرط أن تكون لمصلحتها.

الأساس في أيّ مبادرة بالنسبة إلى الخارج هو فصل جبهة الجنوب عن غزة، وهذا ما أكّده نائبا حزب الله، ما يعني فشل أيّ مسعى لا ينطلق من اعتبار كهذا.