هي الحرب التي لا يعلو على صوتها صوت. يصرّ حزب الله على المضيّ قدماً في خوضها في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، رافضاً المقترحات التي تتضمن من وجهة نظره "شروطاً مستحيلة". في المعلومات التي توافرت لدى قيادته السياسية، فإنّ المقترحات الأميركية الفرنسية الأوروبية كانت "خبيثة"، ومحاولة للتذاكي عليه. فشلت هذه المقترحات التي كانت ستؤدي إلى وقف لإطلاق النار، لكن فشلها جاء بعد رفض إسرائيل بنودها مستبقاً رفض الحزب. محادثات واجتماعات بالجملة تشهدها أروقة الأمم المتحدة في نيويورك بمشاركة رئيس حكومة لبنان لم تنته حتى الساعة إلى اتفاق على وقف لإطلاق النار.

حتّى كتابة هذه السطور، كان الأمل بتوقيع اتفاق لوقف النار ضئيلاً جدّاً. على وقع الاعتداءات الإسرائيلية المتوحّشة على قرى الجنوب والبقاع وبلداتهما وصولاً إلى كسروان، كانت تجري محادثات نيويورك على هامش الجلسة المقررة لمجلس الأمن بخصوص لبنان. صدر بيان فرنسي أميركي مشترك لاقى ترحيب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الموجود في نيويورك، لكنه لم يلاقِ موافقة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتياهو، الذي أعلنت حكومته استمرار الحرب على لبنان وشعبه.

بناءً على طلب أميركي وترحيب رئيس مجلس النواب نبيه بري ومشاورات مسبقة مع حزب الله، توجّه ميقاتي إلى نيويورك. وعدت الولايات المتحدة بصيغة حلّ في حين شدّد رئيس المجلس على ضرورة أن يشارك ميقاتي في اجتماع نيويورك، كي يكون لبنان حاضراً في مشاورات تتعلّق بالاعتداءات الإسرائيلية على أراضيه. وفي الأخبار الواردة من حصيلة المناقشات الأولية، أنّ لبنان فشل في انتزاع ولو صيغة أولية لاستنكار الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين، أو حتّى إدانة لمجزرة "البيجرز".

رفض حزب الله مجرد مناقشة الأفكار المتداولة بشأن وقف إطلاق النار.

وعلى مدى ساعات الأمس، كانت الأنباء الواردة من نيويورك متضاربة. نقلت وكالة الصحافة الفرنسية خبراً مفاده أنّ رئيس الحكومة اللبنانية وقّع البيان الأميركي الفرنسي بشأن لبنان، وهو ما نفاه مكتبه الإعلامي بعد إعلانه بدقائق معدودة، مذكّراً بأنّه رحّب بالبيان، ولكن تبقى العبرة في التطبيق عبر التزام إسرائيل تنفيذ القرارات الدولية.

وفي السياق عينه، نفى نتنياهو أن يكون قد وافق على وقف لإطلاق النار لساعات ضمن سلّة شروط وردت في سياق الورقة الفرنسية الأميركية، وأصدر تعليماته "إلى الجيش بمواصلة القتال بكامل قوته"، موضحاً أنّه لم يقدّم أيّ رد على الاقتراح الأميركي الفرنسي لوقف إطلاق النار.

وثمّة تصريحات أشارت بوضوح الى صعوبة المناقشات الجارية، والتي تصل نتائجها إلى بري وحزب الله. وبينما أصرّ الأول على اعتبار أنّ الساعات المقبلة ستكون حاسمة، رفض حزب الله مجرد مناقشة الأفكار المتداولة بشأن وقف إطلاق النار. وفي تلخيص ما تمّ تداوله مع الحزب في الساعات الأخيرة، قلّلت مصادره من أهمية المتداول، وقالت لـ"الصفا نيوز" إنّ "مقترحاً أميركياً فرنسياً بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي رفضه نتنياهو، وهذا ليس الطّرح الأول، وسيكون هناك طروحات إضافية وستنتهي كما كانت تنتهي مقترحات متعلقة بوقف الحرب على غزة". وتابعت المصادر "أثناء المفاوضات حول غزة، رفض رئيس وزراء إسرائيل سبعة مقترحات لوقف الحرب، وهو سيتبع السياسة نفسها في حربه على لبنان". وعن طبيعة الطرح الأميركي الفرنسي وتفاصيله، علّقت المصادر "يريدون تفكيك بنية حزب الله القتالية وإبعاده إلى ما بعد شمال الليطاني. ومستحيل أن يتحقق هذا".

في المقابل، انتقدت مصادر سياسية متابعة الحديث عن ساعات مقبلة قد تحمل تطورات بارزة على مستوى المفاوضات لوقف النار. وقالت "لا يزال الأميركي يخادع ويطلق وعوداً لا يستطيع الإيفاء بها، وهو لا يمون على الإسرائيلي كي يفاوض عنه أو يتحدث باِسمه". وتضيف المصادر "عرضت الولايات المتحدة وفرنسا وقفاً لإطلاق النار لمدة ثلاثة أسابيع، رفضه نتنياهو، ولم تقدرا على فرضه".

وتفيد المعلومات بأنّ لبنان تبلّغ، قبيل سفر رئيس حكومته، بوجود ورقة أميركية حظيت بموافقة نتنياهو تتعلّق بوقف لإطلاق النار، ثمّ تبيّن أنّ هذه الورقة تتضمّن شروطاً بالغة التعقيد، في عدادها عودة حزب الله بجناحه العسكري إلى ما بعد الليطاني وسريان وقف النار على غزة كما على جنوب لبنان، والتفاوض بشأن إطلاق الرهائن الإسرائيليين.

هذه كلّها أفكار لم تتضح تفاصيلها بعد، ولم تعزّز الأمل بقرب وقف الحرب الدائرة على نطاق واسع شاملةً لبنان بأسره من جنوبه إلى شماله، في وقت كرّرت إسرائيل عدوانها على الضاحية للمرّة الرابعة، وهذا ما يستلزم، في المقابل، رداً قوياً من حزب الله، ويعقّد محاولات الأمم المتحدة وقرار مجلسها المنتظر بشأن لبنان في غضون ساعات.

علماً بأنّ فشل الاتفاق على وقف النار يعني، وفق مصادر قيادية، اشتداداً لحدّة الحرب التي ستطول أيامها وتزداد صعوبةً.