بجريمته الوحشية فتح العدو الإسرائيلي أبواب جهنم عليه، واستعجل قيام حرب صارت واقعاً وضرورة بسبب خطورة عمليّتي تفجير البيجر واللاسلكي، وما نجم عنهما من خسائر فادحة لم يبقَ ممكناً أن لا يردّ حزب الله عليهما. حرب استهدفته وبيئته ومجتمعه ولم تُحصر بجناحه العسكري. تجاوزت إسرائيل من خلالها الخطوط الحمر على نحو لم يترك مجالاً إلّا لردّ على مستوى العدوان، أي واسع وكبير لردع إسرائيل أياً كان الثمن. 

وعلى عكس بعض التحليلات أو الأمنيات، فإنّ حزب الله تمكّن من السيطرة على وضعه التنظيمي والعسكري سيطرةً اتصفت بالانضباط العالي، واستوعب الحرب الإسرائيلية بتقنيّاتها الجديدة ويستعدّ لحرب ليس موعد حصولها بعيداً. 

على مستوى المجزرة جاءت ردود الفعل الدولية. تضامنٌ مع لبنان وتقديم مساعدات طبية واستعداد لمعالجة المصابين، والأهمّ هو الالتفاف الشعبي والسياسي حول حزب الله. فليس سهلاً مشهد الحشود الشعبية، وهي من كلّ الطوائف، حين تدافعت للتبرّع بالدم. كذلك ليس سهلاً الالتفاف السياسي عموماً حوله. مجدّداً فشلت إسرائيل في تحقيق غايتها في الانقلاب الشعبي على حزب الله . 

وحدها الولايات المتحدة التزمت الصمت، فلم تعلّق وزارة خارجيّتها ولا البيت الأبيض على ما اقترفته إسرائيل، بل اقتصر الأمر على إعلان عدم العلم. 

تمكّنت إسرائيل في السنوات السابقة من اختراق النظام الرقمي لمخزن الخرائط المتعلّقة بالبرنامج النووي الإيراني. أي أنّها بدأت حربها على هذا المستوى منذ زمن. ما حصل أمس واليوم الذي سبقه، هو عدوان باغت فيه الإسرائيلي حزب الله، لكن وقوعه في هذا التوقيت أفضل من وقوعه في مرحلة لاحقة أو خلال الحرب مثلاً. وعلى عكس ما رمى إليه الإسرائيلي، فإنّ العدوان أعاد وصل حزب الله بمجتمعه اللبناني على اختلاف طوائفه. وعلى رغم هول الجريمة فإن عاملها الإيجابي الأهمّ هو أنّ الإسرائيلي استخدم كلّ ما يملك من تقنيات عسكرية وأسلحة متطورة جداً. ولكن الحزب، في المقابل، ما زال يستخدم أسلحة معروفة وتقليدية، وهي ربع قدراته وقوّته بحسب بعض المطّلعين على سير المواجهات بين الطرفين. 

إنّ هذه العملية الأمنية أظهرت أن إسرائيل لا تعير أيّة معايير إنسانية وأخلاقية أهميةً تُذكر، وأنّ تفوقها الأمني لا يحدّه أيّ اعتبار قانوني أو سند أخلاقي. 
فعندما تستهدف منتسبي المؤسسات الإدارية والتربوية والصحّية والإنسانية والإعلامية التابعة للحزب، وليس الجهاز الأمني أو العسكري، فإنّ المحرّمات وقواعد الاشتباك سقطت، وإنّ طرائق المواجهة كافّة استبيحت، وإنّ أدوات القتل الإسرائيلية لا تقيم أيّ وزن أو قيمة للقانون الدولي. 

إنّ هذا العمل الذي استهدف المدنيين بالمقام الأول والأخير يشكّل نوعاً من أنواع جرائم الحرب مثل تسميم خزانات مياه الشرب أو الطعام، وليس عملاً عسكرياً أو أمنياً. علماً بأنّ التفوق الوحيد فيه هو أنّه استباح المحظورات الإنسانية، والدليل تريّث الإدارة الأميركية في التعليق أو إبداء أي تصريح إعلامي أو صحافي، لأنّ الأمر يتجاوز العملية الأمنية إلى انتهاك القانون الدولي، ولا سيما أنّ نظام البيجر pagers هو نظام مدني بالدرجة الأولى ونظام اتصال طبّي مستخدم منذ زمن طويل. واستيراد مثل هذه الأنظمة للتواصل يدفع بقوة إلى التساؤل عمن قام به، وما هي الاعتبارات، خصوصاً أنّ أيّ نوع من الاتصالات اللاسلكية هو عرضة للتنصّت والتجسّس والاختراق. 

هل سبق أن استخدمت إسرائيل والأجهزة الحليفة تفخيخ بعض المعدّات التي كانت تستخدم في الصناعة الإيرانية واُكتُشِفت بعد تفجيرات حصلت؟ إنّه سؤال مشروع. 

لقد تجاوز الحزب الصدمة. وهذا يسجّل له. ولكنّ حجم الخسائر والإصابات البشرية يعطي الحزب مشروعية إضافية في حمل السلاح والحفاظ عليه في ظلّ العجز الدولي المطبق حيال الاعتداءات الإسرائيلية. أضفْ أنّ أيّ خطوات عسكرية أو أمنية يتّخذها أصبحت أكثر مشروعية أو مقبولية.