لا شكّ في أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان يحاول تحقيق صيد وفير خلال الأيام القليلة الفائتة، في معاركه الثلاث بين غزة ولبنان واليمن، يحمله في حقيبة سفره التاريخي إلى واشنطن، ويطلب على أساسه مزيداً من الدعم العسكري والمالي في مرحلة انتقالية بين إدارتين يحكمها غموض شديد حول أي اتجاه تسير.
لكنّه فشل في تسجيل إنجاز عسكري مميز يبني عليه طلباته، واكتفى بحمل أوراق ثلاث غير مكتملة وغير حاسمة، أولها بث الشكوك حول مصير القائد العسكري ل"حركة حماس" محمد الضيف بعد الغارة الدموية على محلّة المواصي في غزة، وإحراق جانب مهمّ من ميناء الحديدة الاستراتيجي في اليمن، وتفجير كبير لمستودعات غير محددة المحتويات في بلدة عدلون شمال مدينة صور اللبنانية.
وحمل في الوقت نفسه تطوراً نوعياً سلبياً ضده تمثّل بتفجير مسيّرة يمنية في تل أبيب تركت صدمة نفسية سياسية وشعبية في إسرائيل.
هذه المؤشرات العسكرية، بوجوهها المتناقضة، لا تحسم حصيلة ما سيحققه نتنياهو وما سيحصل عليه من زيارته المفصلية، ليس فقط بسبب مراوحة العمليات العسكرية التي ينفذها، ودورانها حول نفسها مع اقتراب انتهاء الشهر العاشر على انطلاقها، بل بسبب عودة الارتجاج إلى المشهد الانتخابي الأميركي بعد فترة قصيرة من انتعاش فرصة المرشح الجمهوري دونالد ترامب غداة محاولة اغتياله إلى درجة تقاطع التقديرات على فوزه قبل أكثر من مئة يوم على الانتخاب.
وقد أدّى تنحّي الرئيس جو بايدن عن ترشيح نفسه إلى إعادة بعض التماسك والتضامن للحزب الديمقراطي، بحيث يستعيد أنفاسه خلال الفترة الفاصلة عن مؤتمره العام في 19 آب المقبل.
والواضح أن عودة التوازن بين الحزبين يعقّد حسابات نتنياهو الذي كان يراهن على الفوز الأكيد لصديقه ترامب بما يعنيه هذا الفوز من استئناف الضغط على إيران، سواء في ملفها النووي أو في مراكز نفوذها في المنطقة العربية.
وينعكس ارتباك حساباته حذراً في لقاءاته بين إدارة قائمة وإدارة عتيدة، وكذلك في خطابه أمام الكونغرس بمجلسَيه، فلا يكشف رهانه على طرف دون آخر، بل يترك خطّ الرجعة مفتوحاً وراءه، خوفاً من قطعه الجسور مع الفائز غير المحسوم بعد.
ومع أنه مطمئن إلى استمرار الدعم الأميركي لإسرائيل مع أي رئيس سيحكم البيت الأبيض، لكنه غير مطمئن على مستقبله السياسي الشخصي إذا جاهر بدعم الجمهوريين وخاصم الديمقراطيين، فليس في سجلّه صفحات كثيرة بيضاء مع الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي، خصوصاً خلال السنة الأخيرة، وتحديداً منذ عمليتَي "طوفان الأقصى" و"السيوف الحديدية" في 7 تشرين الأول 2023.
قد يُقْدم نتنياهو، سعياً منه إلى الخروج من ارتباكه، على لعبة صولد بعد عودته من واشنطن إلى تل أبيب، ويبادر إلى تغطية حروبه الصغيرة المتبقّية في قطاع غزة بعمليات عسكرية واسعة خصوصاً في لبنان، بهدف إحراج طرفَي الاستحقاق الرئاسي الأميركي، فيعلن تأييده الصريح للطرف الأكثر دعماً لعملياته بين ترامب وخليفة بايدن، والمرجّح أن تكون نائبته كامالا هاريس.
صحيح أن زيارة نتنياهو إلى واشنطن تمنحه دفعاً سياسياً يحتاج إليه في مرحلة شديدة الدقة على حكومته وخياراته السياسية والعسكرية، لكنّ حَيرته بين ترامب و"غريمه" أو "غريمته"، من الآن حتى 5 تشرين الثاني المقبل، تجعله يملأ فراغ الانتظار بهواياته العسكرية الخطيرة.
والسؤال هنا:
هل سيجد نتنياهو دائماً من يمنحه الذرائع والأعذار سواء من اليمن أو العراق أو لبنان، كي يمارس هواياته المميتة، أم أن إيران، كقائدة ل"محور المقاومة والممانعة"، تلجأ ببراغماتيتها المعهودة إلى احتواء التصعيد بعد ثلاثية المواصي وعدلون والحديدة؟