توحي كلّ التحرّكات المحلّية والإقليمية والدولية أنّ العالم يستعدّ لمرحلة أميركية جديدة سيكون نجمها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي نجا من محاولة اغتيال خلال تجمّع انتخابي لمؤيّديه في بنسلفانيا، وكأنّ الجميع يدركون باكراً من الآن أنّه سيكون الفائز حتماً على منافسه الرئيس الحالي جو بايدن، إن لم يُستبدل مرشّح آخر به.
من اليوم، يبدأ الحزب الجمهوري جلساته واجتماعاته لتثبيت ترشيح ترامب إن لم يستبدل مرشّحاً آخر به، وعلى الأرجح لن يفعل، وتحديد برنامج السياسة الخارجية في عهده، واختيار نائب الرئيس وإنجاز كلّ الترتيبات المتعلّقة بالحملة الانتخابية. فيما سيكون للحزب الديموقراطي هو أيضاً جلساته واجتماعاته المماثلة، وفيما سيختار الجمهوريون ترامب تبدو الصورة مشوّشة عند الديموقراطيين بعد "السقطات" والهفوات التي وقع بها بايدن وقد تدفعهم إلى استبدال مرشح آخر به.
لكن جميع التحرّكات الإقليمية والدولية الجارية توحي أنّ الخيار واقع على ترامب وأنّه آت إلى البيت الأبيض استناداً إلى المؤشّرات الآتية:
ـ أولاً ، تأييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لترامب، ومعروفة مساهماته السابقة التي مكّنته من الفوز في ولايته السابقة وأُخذت عليه وعرّضته للمساءلة والتحقيق بتحريض من الديموقراطيين. واللافت أنّ بوتين التقى أخيراً صديقه رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور اوربان (تترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي وهي عضو في حلف "الناتو") الذي انتقل لاحقاً من موسكو إلى بكين قبل أن ينتقل إلى الولايات المتّحدة الأميركية ليلتقي ترامب في فلوريدا بعد مشاركته في اجتماعات حلف الناتو في واشنطن لمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيسه.
وفيما أثارت زيارة أوربان لبوتين استياءً أوروبياً وانتقادات شديدة لأوربان، ردّد كثيرون أنّه يقوم بوساطة بين الرجلين بعلم الصين، وذلك قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، علماً بأنّ أوربان كان قال يوم زيارته بكين أنّه يقوم بـ"مهمة سلام".
ـ ثانياً، انفتاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على سوريا وإعلان رغبته في اللقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد بتنسيق مسبق مع موسكو وربما مع الصين أيضاً، وتجري اتصالات ديبلوماسية حثيثة روسية ـ سورية ـ تركية يشارك فيها العراق من أجل ترتيب انعقاد هذا اللقاء الذي قد يُحرج قطر التي ترتبط بعلاقه متينة مع تركيا، ولم تتحسّن العلاقات بينها وبين سوريا.
جميع التحرّكات الإقليمية والدولية الجارية توحي أنّ الخيار واقع على ترامب
ـ ثالثاً، حصول المزيد من التواصل بين سوريا ودول الخليج التي انفتحت عليها، وهناك معلومات عن تفاهم سوري ـ سعودي ـ إماراتي سيعلن قريباً، وأحد أهدافه ملاقاة عودة ترامب إلى البيت الأبيض التي تؤيدها الرياض وأبو ظبي، علماً بأنّ هناك همساً في بعض الأوساط عن احتمال رفع بعض العقوبات عن سوريا.
ـ رابعاً، استعداد إيران لـ"المرحلة الترامبية" الجديدة إذ إنّ كثيرين يعتبرون أنّ وصول الإصلاحي مسعود بيزشكيان إلى رئاسة الجمهورية الايرانية لا ينفصل عن هذا الاستعداد. لأنّ الإيرانيين على الرّغم من تأييدهم بقاء بايدن في البيت الأبيض لولاية ثانية، كونه كان مهندس الاتفاق النووي بينهم وبين المجموعة السداسية الدولية عام 2015، فإنّهم يدركون أنّ حظوظه ضئيلة، ولكنّهم كانوا، ولا يزالون، يراهنون من خلال المفاوضات غير المباشرة الجارية بينهم وبين إدارته، على التوصّل إلى اتفاق معه في شأن الملف النووي وغيره من خلال ما تبقّى من الولاية. وإذا لم يحصل ذلك يكون الأمر في عهدة الإصلاحيين للتفاوض مع إدارة ترامب المرتقبة، وينتظر أن يتصدّر المفاوضين الإيرانيين وزيرُ الخارجية السابق محمد جواد ظريف الذي كلّفه بيزشكيان إدارة المرحلة الانتقالية لتأليف الحكومة الإيرانية الجديدة والتي قد يكون ظريف وزير الخارجية فيها أو نائباً لرئيس الجمهورية.
ـ خامساً، مناورات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وتهرّبه من التوصّل إلى اتفاق مع حركة "حماس" على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، إنّما مردّها إلى أنّه لا يريد أن يعطي بايدن هذا الاتفاق، وإنّما يريد أن يعطيه لحليفه ترامب. ولذلك لا توقّعات بنجاح المفاوضات الجارية حالياً للتوصّل إلى وقف النار، ونتنياهو يتصرّف الآن من موقع القوي، معتبراً أنّ بايدن في موقع الضعيف، ولذلك سيستغلّ الفترة الفاصلة عن الانتخابات الأميركية المقررة في 5 تشرين الثاني لشنّ المزيد من الحروب ضدّ حماس في قطاع غزّة، لعله يقضي عليها كما يطمح، وكذلك على المقاومة وحزب الله على جبهته الشمالية، لعلّه يضعف، كونه يعتبر أنّ الحزب هو الأشدّ خطراً على إسرائيل.
ويقول ديبلوماسيون إنّ بايدن ليس في موقع يمكّنه من أن يفرض على نتنياهو اتفاقاً لوقف النار، وأنّ مهمّة موفده إلى بيروت وتل أبيب في شأن الجنوب والقرار الدولي 1701، قد تكون باتت "في خبر كان"، أو على الأقلّ، في دائرة الجمود، لأنّ وقف النّار المطلوب في غزة، والذي يُفترض أن ينسحب على جبهة لبنان الجنوبية ليس متاحاً بعد.