بين وقتٍ وآخرٍ، تعلو أصوات بعض الفرقاء اللبنانيين المناهضين لمحور المقاومة عمومًا، وللحكومة السورية خصوصًا، مطالبةً، عن جهلٍ أو عن تعمّدٍ، بإلغاء "المجلس الأعلى اللبناني- السوري"، على اعتبار أنّ الأطراف المذكورين يطلقون مواقفهم من "المجلس" عن عدم إدراكٍ أو عن تجاهلٍ مقصودٍ للفرق بين دوره ودور الأمانة العامة "للمجلس" التي يترأسها نصري خوري راهنًا. و"تتنشط الحماسة الإلغائية" لدى هؤلاء، كلّما ظهر خوري على وسائل الإعلام، وهو يؤدي واجبه الوظيفي، أي خلال وجوده في اجتماعات لبنانيةٍ- سوريةٍ لتنظيم المصالح المشتركة بين البلدين، كظهوره في اللقاء الذي عقد بين رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس ووزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، الذي زار العاصمة السورية دمشق، في مستهلّ الشهر الجاري، بدعوة من وزير الموارد المائية السورية حسين مخلوف، لتنظيم استثمار مياه نهري العاصي والكبير الجنوبي المشتركين بين لبنان وسوريا. ومعلوم أنّ الأمين العام "للمجلس" يؤدّي دوره الوظيفي المطلوب بعيدًا من الأضواء، وفقًا لمعاهدة "الأخوّة والتعاون والتنسيق" الموقّعة بين الجمهوريتين اللبنانية والعربية السورية في أيار 1991، والتي لا تزال سارية المفعول.

وبالعودة إلى دور هذا "المجلس" و"تركيبته"، فقد جاءت "معاهدة الأخوّة " لتعبّر، من جهة، عن طبيعة العلاقات اللبنانية السورية المميزة، ومن جهة أخرى، عن الروابط التاريخية والمصيرية التي تجسّدت في دورة حياة عمرانية واقتصادية وثقافية وسياسية واحدة بين البلدين على مرّ العصور، بحسب ما جاء في مقدمة "المعاهدة".

يتألف المجلس من:

ــ رئيسي الجمهورية في كلّ من الدولتين المتعاقدتين.

ــ رئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء في الجمهورية العربية السورية.

ــ رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية.

وفي إطار المهمات الخاصة بالمجلس فهو بحسب بنود المعاهدة:

* يضع السياسة العامّة للتنسيق والتعاون بين الدولتين في جميع المجالات (السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها) ويشرف على تنفيذها، كما يعتمد الخطط والقرارات التي تتخذها "هيئة المتابعة والتنسيق" و"لجنة الشؤون الخارجية" و"لجنة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية" و"لجنة شؤون الدفاع والأمن" أو أيّ لجنة تنشأ في ما بعد.

* قرارات المجلس الأعلى إلزامية ونافذة المفعول في إطار النظم الدستورية في كلّ من البلدين. كما يحدّد المواضيع التي يحقّ للجان المختصة اتخاذ قرارات بشأنها، وهي تكتسب صفة التنفيذية بمجرّد صدورها عنه، وذلك وفقًا للنظم والأصول الدستورية في كلّ من البلدين.

* يجتمع المجلس الأعلى مرّة كلّ سنة وعندما تقتضي الضرورة في المكان الذي يُتفق عليه.

هيئة المتابعة والتنسيق

* تتألف من رئيسي مجلس الوزراء في البلدين وعدد من الوزراء المعنيين بالعلاقات في البلدين.

* مهماتها متابعة تنفيذ قرارات المجلس الأعلى ورفع التقارير إليه عن مراحلها. كما تنسق توصيات اللجان المتخصصة ومقرراتها وترفع المقترحات إلى المجلس الأعلى.

* تجتمع الهيئة مرّة كلّ ستة أشهر وعندما تقتضي الضرورة في المكان الذي يتمّ الاتفاق عليه وتعقد اجتماعات مع اللجان المتخصصة كلّما دعت الحاجة.

يجتمع المجلس الأعلى مرّة كلّ سنة وعندما تقتضي الضرورة في المكان الذي يُتفق عليه.

الأمانة العامة:

أ‌- تنشأ أمانة لمتابعة تنفيذ أحكام هذه المعاهدة.

ب‌- يترأس الأمانة العامة أمين عام يسمّى بقرار من المجلس الأعلى.

ج- يحدّد مقرّ الأمانة واختصاصها وملاكها وميزانيتها بقرار من المجلس الأعلى.

إذًا، لا بد هنا من الإشارة إلى الفرق بين "المجلس الأعلى" وأمانته العامة.

وعن دور المجلس وأمانته العامة بعد العام 2011، تاريخ بدء الحرب الكونية على سورية، لا بدّ من الإشارة إلى أن هيئة المتابعة والتنسيق في المجلس اتخذت في العام 2010 في حضور رئيسي مجلسي الوزراء اللبناني والسوري وحضور خمسة عشر وزيراً من كلا الجانبين، مجموعة من القرارات، تصبّ جميعها في إعادة تفعيل العلاقات بين لبنان وسورية في مختلف المجالات، والتمسك بمعاهدة التنسيق والأخوة، والعلاقات المميزة بين البلدين.

بدأت الأزمة السورية في العام 2011، وانقسم اللبنانيون في المواقف تجاهها.

على رغم ذلك ووسط الظروف الصعبة حاولت الأمانة العامة للمجلس جاهدةً الإبقاء على خطوط التواصل مفتوحة بين الجهات الرسمية في البلدين، والتنسيق بينهما على أكثر من صعيد، خصوصاً في شأن المشاكل الحدودية منذ تلك الفترة، أي منذ العام 2011، ومنها المشاكل الأمنية، وإشكالات لها علاقة بتحديد الأراضي والتداخل الجغرافي. ولا تزال الأمانة العامة تؤدّي دورها بالإمكانات المتاحة لديها، من دون أن تقحم نفسها في أيّ خلافٍ سياسي، داخليًٍا كان أو سوى ذلك، بخاصةٍ إذا كان متعلّقًا بشأن العلاقات الثنائية اللبنانية- السورية.

وعن استمرار "المجلس" ودوره ووضعه القانوني، يؤكّد الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين أنّ "المجلس الأعلى اللبناني- السوري لا يزال قائمًا من الناحيتين الدستورية والقانونية، وهو ناتج من معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين، وله أدوار محددة بصرف النظر عن المواقف السياسية، ممّن يؤيّد استمرار وجوده أو يعارض ذلك". ويقول: "لذا فإنّ الأمين العام للمجلس نصري خوري موجود أيضًا بموجب صلاحياتٍ قانونيةٍ، وبالتالي من البديهي جدًا أن يكون موجودًا في اجتماع يتعلق بالتنسيق بين الحكومتين اللبنانية والسورية".

وعن المطالبة بإلغاء "المجلس"، يوضح يمّين أنّ "إلغاء "المجلس" يعني الخروج من "معاهدة الأخوة والتنسيق"، وهذا الأمر له آلية دستورية. وإذا كان سيتم بطريقة وفاقية بين الدولتين، فيجب أن يحظى بموافقتهما".