يغلق العام 2024 أبوابه على إرث ثقيل سيُرحّل إلى العام الجديد، هو انتخابات رئاسة الجمهورية. الملف الذي لا يزال عصيًّا على التوافق في لبنان، لم يتّضح أفقه بعد، ولم يخرج الدخان الأبيض من حيث يجب أن يخرج، أي مجلس النواب الذي سيعقد جلسة انتخاب مجهولة النتائج حتّى الساعة.
وبين انتخابات الرئاسة والوضع الميداني في جنوب لبنان، حيث الخروق الإسرائيلية المتجدّدة، يتوزّع المشهد نهاية العام، في حين يستعدّ العام المقبل لثلاثة أحداث في منتهى الأهمّية، هي جلسة الانتخاب الرئاسية، وانسحاب إسرائيل المفترض من الجنوب، وعودة الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى لبنان لاستكمال البحث في وقف النار ووضع حدّ للخروق الإسرائيلية.
على مستوى الوضع جنوبًا، علت أصوات معترضةً على عمل لجنة مراقبة وقف النار، التي لم تستطع وضع حدّ لخروق إسرائيل، وهي تبلّغت احتجاجًا رسميًا من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عليها، وطالبها بتكثيف الجهود لمنع إسرائيل من إفشال الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بشأن وقف النار.
وتبدي مصادر لبنانية واسعة الاطّلاع خشيتها من تدهور الأوضاع متى أصرّت إسرائيل على عدم الالتزام ببنود الاتفاق، وطالبت بتمديد مهلة الـ60 يومًا قبل الانسحاب، وهذا ما يعني استحالة اكتفاء حزب الله بدور المتفرّج على ما تفعله وغضّ الطرف الدولي. بالوقائع، تثبت إسرائيل أنّ الاتفاق لزوم ما لا يلزم، وهي ليست ملزمة بنتفيذ بنوده، في حين لم يبقَ لدى لبنان أبعد من استنكار وتحرك دولي مستجديًا هدوءًا لم يعد مضمونًا.
أمّا رئاسيًا فليس الحال أكثر وضوحًا، وقد دخل عامل جديد تمثّل في زيارة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى السعودية. هذه الزيارة التي حمّلها البعض أبعادًا رئاسية، وعدّها مباركة سعودية لانتخاب قائد الجيش. قابلها الثنائي الشيعي بفتور وتشكيك في أن تكون مؤشّرًا رئاسيًا من المملكة تجاه قائد الجيش. وقالت مصادر مواكبة للملف الرئاسي إنّ الثنائي ليس في وارد الموافقة على جوزف عون، وهو يعتبر انتخابه استكمالًا لاتفاق وقف النار، الذي حصل نتيجة ضغوط لما هو خارج مصلحة المقاومة. وتمضي المصادر قائلة إنّ العين على كلمة السر الأميركية التي لم تظهر للعلن بعد، ولو أن الولايات المتحدة لا تعارض انتخاب قائد الجيش المطلوب منه أميركيًا تنفيذ أجندة ليست محصورة بسحب سلاح حزب الله من المناطق الجنوبية على الحدود مع إسرائيل.
مصادر سياسية أصرّت على موقفها من أنّ قائد الجيش واحد من بضعة خيارات، لكنّه لم يعد يتقدّم لائحة أسماء المرشّحين التي باتت محصورة بإلياس البيسري وفريد البستاني وفريد هيكل الخازن وجان لوي قرداحي. لكن الخشية من أن يكون تدهور الوضع في الجنوب مرتبطًا بالمسار الرئاسي، بحيث يكون الشرط ضمانات مقابل عودة الهدوء يمنحها انتخاب قائد الجيش ويأخذ تنفيذها على عاتقه.
من ناحيته، يعتبر الثنائي أنّ الخيارات الرئاسية تضيق كلما اقترب موعد الجلسة، ومن اليوم حتى موعد انعقادها ستتغيّر أمور كثيرة وقد تطرأ مفاجآت. وهو يتعاطى على قاعدة أنّ جوزف عون خارج السباق، وإن كان مطلبًا فرنسيًا وسعوديًا فإنّ الأصوات التي سيحصل عليها في مجلس النواب لن تلامس المطلوب لانتخابه دستوريًا، وبالتالي قد لا يبقى من الأسماء إلّا العدد القليل يتقدّمها اللواء إلياس البيسري.
يعتبر الثنائي أنّ الخيارات الرئاسية تضيق كلما اقترب موعد الجلسة، ومن اليوم حتى موعد انعقادها ستتغيّر أمور كثيرة وقد تطرأ مفاجآت.
مصادر ديبلوماسية تؤكّد أنّ الولايات المتحدة لم تدلِ بدلوها رئاسيًا بعد، وأنّ هناك انقسامًا بين من يؤيد انتخاب جوزف عون وبين من يعارضه ولا يرى ضرورة لوصوله إلى قصر بعبدا، والأوضاع لا تزال في انتظار تسلّم الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتتضح الرؤية الرئاسية.
المطّلعون على أجواء عين التينة ينقلون تطمينًا من رئيس المجلس إلى أنّ الجلسة المقبلة ستنتهي إلى انتخاب الرئيس حكمًا، وأنّ الامور ستختمر بعد الأسبوع الأول من العام الجديد، أي قبل أيام من موعد الجلسة التي ستكون مفتوحة حتى انتخاب الرئيس، وربما تتخلّلها فترة راحة يومًا أو يومين. يرفض بري الدخول في بازار الأسماء وإن كانت مصادره المقرّبة تقول إنّ اقتراب موعد الجلسة سيقلّص عدد المرشحين لنكون أمام عدد محدّد.
ولا يرى المطّلعون في زيارة عون إلى الرياض مؤشرًا إلى ترجيح كفّته سعوديًا أو أميركيًا، فالأمور لا تزال قيد الدرس والنقاش ومرهونة بالأصوات التي سيحصدها في صندوقة الاقتراع.
بتقدير المطّلعين، فإنّ الأوضاع الرئاسية ستبدأ بالتبلور في الأيام الأولى من العام الجديد. إذ ذاك يبدأ البحث الجدّي في حين أنّ كلّ ما نشهده اليوم مجرّد تقطيع وقت وحرق أسماء ومحاولات ضغط بالإيحاء لن تجدي نفعًا ولا تُصرف في صندوقة الاقتراع.