أحيت الأمم المتحدة، الخميس الماضي، في مقرّها في نيويورك "اليوم الدولي لحَفَظة السلام"، فيما كانت إسرائيل تواصل قتل المدنيين العزّل في فلسطين المحتلّة. هي الأمم المتحدة التي فشلت في إيقاف الحرب على غزة المستمرة منذ نحو 9 أشهر، كما عجزت عن منع تل أبيب من الهجوم على رفح حيث التجأ عشرات آلاف الفلسطينيين الذي نجوا من آلة الحرب الإسرائيلية، فإذا بها تلاحقهم حتى آخر طفل جائع، وحتى آخر نقطة إسعاف طبية بعدما دمرت المستشفيات والمدراس ودور العبادة في أرض القداسة، أرض يسوع المسيح.
يأتي هذا الاحتفال لتكريس فشل الأمم المتحدة في المهمة التي من أجلها أنشأت قوات حفظ السلام عام 1948 عندما أقرّ مجلس الأمن نشر مراقبين عسكريين تابعين للأمم المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. وكان دورهم هو مراقبة اتفاقية الهدنة بين إسرائيل وجيرانها العرب. فهل يمكن رصد أي نجاح في هذه المهمة منذ انطلاقتها حتى اليوم؟ إلا إذا كان الإنجاز هو في تبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة "اليوم الدولي لحفظة السلام" في عام 2002، لتكريم جميع النساء والرجال العاملات والعاملين في عمليات حفظ السلام، ولتخليد ذكرى أولئك الذين فقدوا أرواحهم في خدمة السلام.
لن نعود إلى تاريخ الحروب الإسرائيلية العربية التي فشلت الأمم المتحدة أو مجلس الأمن في وقفها والحد من خسائرها. ولن نعود إلى كلّ القرارات الدولية التي لم تعرْها الدولة المضيفة لمقر الأمم المتحدة أي أهمّية. ولن نتوقف عند استخدام حق النقض "الفيتو" لإحباط كل ما لا يلتقي مع مصالح الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهذا ما يؤكّد هشاشة هذه المنظمة الدولية في مواجهة الدول القوية، وإمكان تحوّلها إلى أداة لخدمة أهدافها ومصالحها عند الحاجة.
يتابع العالم أجمع منذ الثامن من تشرين الأول من العام الماضي وقائع جريمة مستمرّة يرتكبها أحد أقوى الجيوش في العالم ضد مواطنين عزّل، يطاردهم من مكان إلى آخر في رقعة جغرافية محاصرة بأسلاك شائكة وقوات مؤلّلة وجدار فصل عنصري طالبت محكمة العدل الدولية بإزالته، وقد وصفته بأنه غير قانوني. مشاهد القتل والتعذيب والضحايا تسرّبت تماماً كما دماء الشهداء التي سالت إلى العالم أجمع، رغم محاولات المؤسسات الإعلامية العالمية والمنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي حجبها وطمسها.
يتظاهر الشبان في العواصم الغربية ويهتفون ملء حناجرهم، فيما السلطات هناك تحسب حساب ما حلّ بجو بايدن الذي فشل في لجم بنامين نتنياهو، ووجد مصير حملته الرئاسية في خطر إن استمر في موقفه المعارض لتسليم شحنة أسلحة إلى تل أبيب من أجل أن تستخدمها في حصد أرواح المزيد من الأطفال والنساء والعجائز والرجال والفتيان. أسلحة متطورة تلتزم عدم التمييز بين الأجناس والأعمار. الضحايا مجرد أرقام أو خسائر مبررة لإعادة ترميم صورة الردع الإسرائيلي. بمعنى أدق، صورة القاتل الدموي الذي لا يحترم القوانين الدولية إذ أباح لنفسه من على منبرها تمزيق دستورها، وقد مر الأمر من دون مساءلة أو إدانة.
احتفل العالم بيوم حفظة السلام فيما إسرائيل تواصل قطع رؤوس الأطفال.
تحتفل الأمم المتحدة بـ"اليوم الدولي لحفظة السلام" فيما وحداتها العاملة في جنوب لبنان لا تستطيع إحياء المناسبة على وقع تساقط القذائف والغارات عند الحدود. وكيف تحيي مناسبة سلام في وقت يموت الناس حولك قتلاً وأنت عاجز عن وقف ما يحصل؟
ألغت قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان الاحتفال السنوي الذي كانت تقيمه لهذه المناسبة في مقرها في الناقورة "بسبب الوضع الأمني والتبادل المستمر لإطلاق النار في الجنوب" بحسب ما جاء في بيانها. لم تتذكر عجزها عن وقف الحرب أو عن إزالة الاحتلال أو عن منع انتهاك السيادة اللبنانية. لم تتذكر مجزرة قانا التي وقعت في مقرّ تابع لها استهدفته إسرائيل فقتلت 100 شخص وجرحت أكثر من مئة آخرين أغلبهم من النساء والأطفال. لم تذكر قوات الطوارئ صورة تلك الطفلة المقطوعة الرأس التي كان يرفعها المسعف وهو يبكي. كما لم تذكر الطفلة المقطوعة الرأس أيضاً في غزة. وبالطبع لن تذكر آخر طفلة قطعت إسرائيل رأسها في رفح.
احتفل العالم بيوم حفظة السلام فيما إسرائيل تواصل قطع رؤوس الأطفال. هؤلاء الذين يعملون على منع وقف الحرب التي تحصد المزيد من الضحايا كلّ يوم، ويمدّون القاتل بالذخائر والعتاد، ويوفرون له الحماية من المحاسبة والمساءلة. ماذا يرون حين ينظرون في المرآة؟
إنّ عجز الأمم المتحدة عن إيجاد حل عادل لقضية فلسطين، كما لتحرير الأراضي التي تحتلها إسرائيل في جنوب لبنان أو في غير مكان، أضف إلى العجز، إحجامها أو تلكؤها عن إحقاق الحق وتحقيق العدالة في كل بقعة من بقاع الأرض، هذا كله يعزز السؤال عن جدواها والغاية منها ما دام الفشل في هذه القضايا هو ما حصدته منذ إنشائها...
لا أعتقد أنّ هناك من يريد حفظ سلام في وقت لا تُحفظ الأرواح. ولا أعتقد أنّ هناك من يرى معنى لمنظمات دولية ولأمم متحدة ومجلس أمن لا تستطيع منع قتل الأبرياء أو منع الحروب ووقفها.