تتبنّى خطّة الطّوارئ الوطنية عدّة افتراضات مبنية على مقارنة معيارية لما حدث في العدوان الإسرائيلي في تموز 2006. وذلك لجهة حصول تهجير قسري لمليون لبناني على فترة 45 يوماً...
أعادنا تصاعد وتيرة الحرب على الحدود الجنوبية وارتفاع الخسائر البشرية والمادية للسؤال عن "خطّة الطّوارئ الوطنية". فهذه الخطّة التي لم تتطرّق بشكل مباشر إلى التعويضات الشخصية على الأفراد والمؤسسات، أوردت عبارة "واسع" مرّتين في مستهلّها بما يثر الرّيبة. حيث حُدّد الهدف العام للخطّة بـ "حماية اللبنانيين واللبنانيات من تداعيات عدوان إسرائيلي واسع". و"تأمين مستلزماتهم وإغاثتهم في حال حصول تهجير قسري واسع". فهل "الميني" حرب، والتهجير الضيّق، والأضرار المحدودة في الأرواح والممتلكات لا تدخل في صلب خطّة الطوارئ. سؤال يُسأل؟
يقال في الأمثال الشعبية اللبنانية "كلّ مين رزقه غالي عليه". فالأرواح التي زهقت والمنازل التي تهدّمت أو تضرّرت، وأشجار الزيتون التي احترقت، وشتلات التّبغ التي تفحمت.. لا تقدّر قيمتها بثمن بالنّسبة لأصحابها، ولو أنهّا مازالت تعتبر خسائر محدودة على مقاييس الحروب.
الخسائر المادّيّة والبشرية لغاية الآن
تحدّد "منصة الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان"، التي طورها "المجلس الوطني للبحوث العلمية" الخسائر البشرية بدقّة، وجزء من الخسائر المادّيّة التي أمكن إحصاؤها، منذ بداية الحرب ولغاية 14 تشرين الثاني الحالي. وبالأرقام:
بلغ عدد الشهداء 89 شهيداً، 10 شهداء مدنيين، و79 شهيداً للمقاومة الاسلامية.
بلغ عدد الجرحى 33 جريحاً. 20 جريحاً مدنياً، و13 جريحاً للمقاومة الإسلامية.
أحرقت القذائف 447 هكتاراً من الأراضي الحرجية والزراعية.
أدّى القصف إلى احتراق عشرات الآلاف من أشجار الزيتون والسنديان والأشجار المثمرة.
لم يتحدّد بعد عدد المنازل المهدّمة كلياً أو جزئياً، ولا عدد السيارات المتضرّرة.
النّقص في المساعدات
إذا وضعنا التّعويضات لذوي الشهداء والجرحى وأصحاب الممتلكات المتضرّرة جانباً إلى حين انتهاء الحرب، فإنّ أوزار الأخيرة تثقل آنياً، كاهل النازحين والمجتمعات المضيفة. إذ تشير المعلومات إلى أنّ الحرب تسبّبت لغاية اليوم بنزوح حوالي 30 ألف مواطن، "استقبلت بلديات قضاء صور وحدها، 13755 نازحاً، ينتمون إلى 2940 عائلة"، بحسب وحدة إدارة الكوارث في اتّحاد بلديات قضاء صور. ويتوزّع النّازحون بشكل أساسي على أربعة مراكز إيواء، وعلى منازل العائلات المستضيفة وبعض الشّقق المستأجرة. ويشكّل تزايد أعداد النازحين بوتيرة متصاعدة، وبمعدّل 500 نازح يومياً، ضغطاً كبيراً على النّازحين والمجتمعات المضيفة في آن. خصوصاً في ظلّ شحّ المساعدات الرسميّة واقتصار الأمر على جهود البلديات وبعض الجمعيات، في مقابل ازدياد الحاجات.
لغاية الأمس لم تكن الجهات الرسمية قد قدمت أيّ حصّة غذائية للنازحين، واقتصر تدخّلها على تأمين وزارة الشؤون الاجتماعية 6 آلاف ليتر من مادة المازوت لتشغيل المولّدات، و1200 فرشة من الهيئة العليا للإغاثة، وعدد مواز من الفرش قدمها مجلس الجنوب للإعمار، بالإضافة إلى عدد من أكياس الحفاضات و400 علبة حليب. ويشير رئيس الدائرة الإدارية ومدير وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور مرتضى مهنا إلى أنّ "ما يصل من مساعدات من الجمعيات لا يفي بالغرض مع تزايد أعداد النّازحين ما يضطرّنا إلى تقطير التقديمات، كأن نعطي كلّ ستة اشخاص ثلاثة فرش". أمّا بالنّسبة إلى تأمين الغذاء فيقول مهنّا إنّ "كلّ الذي وصل منها هو 300 حصّة فقط من جمعيتين مدنيتين".
استراتيجية الدعم مكان الإغاثة
بالعودة إلى خطّة الطّوارئ التي وضعتها الحكومة في نهاية تشرين الأول الماضي، نلحظ أنّها تتبنّى عدّة افتراضات مبنية على مقارنة معيارية لما حدث في العدوان الإسرائيلي في تموز 2006. وذلك لجهة حصول تهجير قسري لمليون لبناني على فترة 45 يوماً. والحاجة إلى تأمين مراكز إيواء قادرة على استيعاب 20 في المئة من المهجّرين، أو ما يعادل 200 ألف شخص، والضغط على المرافق الصحّية، والحاجة إلى تأمين المستلزمات الإنسانية. "إلّا أنّه مع الوقت نلحظ حصول سيناريو آخر للحرب، قائم على تهجير عددياً أقلّ من المتوقع، ولكنه قد يمتد إلى فترات أطول"، يقول المشرف على الخطّة وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور ناصر ياسين. "وهو ما يستوجب طريقة عمل مختلفة عن تلك التي نصّت عليها الخطّة". وذلك من قبيل دمج المساعدات للنّازحين مع برامج المساعدات الاجتماعية والصحية القائمة فعلياً، ومنها برنامجي أمان والأسر الأشد فقراً التي تتولّاها وزارة الشؤون الاجتماعية، وبرامج التغطية الصحية في وزارة الصحّة، وتأمين الغذاء بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي. وعليه فإنّ تمويل هذه المساعدات مؤمّن من الجهات الدولية الشريكة نظراً لقدرتها على تحويل جزء من الموارد"، يقول ياسين. "أمّا في ما يتعلّق بدور الدولة فنحن في طور النّقاش لفتح اعتمادات إضافية من الخزينة لزيادة تمويل لوزارة الصحّة والدفاع المدني والشؤون الاجتماعية لتلبية الحاجات المتزايدة".
التعويضات
لا تلحظ خطّة الطوارئ بشكل مباشر تقديم التعويضات عن الأضرار في حال توسّع الحرب، إذ أنّها ركّزت على شقّ الاغاثة. ولكن "يجري العمل اليوم على تفريعها، بشكل يأخذ بعين الاعتبار التهجير لفترات كما ذكرنا، والانتقال من احتمال الإغاثة إلى الدّعم لفترات طويلة"، بحسب ياسين. "وكان من المفروض مناقشتة هذين المتفرعين في جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء 14 تشرين الثاني. إلّا أنّ الجلسة لم تعقد وجرى تأجيلها ليوم الخميس القادم".
من المتوقّع أن تكون اكلاف التعويضات عن الأضرار باهظة جدّاً بالنسبة لخزينة مفلسة. وعلى الرّغم من محدودية الاضرار المادّية لغاية الآن، فإنّ الدولة لا تملك إمكانية التّعويض ولا التدخّل بالإغاثة والدعم ما لم يتمّ فتح اعتمادات إضافية للوزارات والجهات المعنية من شؤون اجتماعية وصحّة ودفاع مدني... وغيرها. ويلحظ من كلام المسؤولين تعويلهم على المساعدات الخارجية والهبات كما حصل عقب حرب تمّوز في العام 2006، من دون الأخذ بعين الاعتبار ثلاثة متغيّرات أساسية: الأول، انشغال "العالم" بقضايا أكثر تعقيداً. الثاني، تدهور علاقات لبنان الخارجية. الثالث، عدم وجود دولة في لبنان وانعدام ثقة الخارج بالطبقة الحاكمة.
"الميني" حرب التي "كربجت" خطّة الطوارئ وصعّبت تقديم التعويضات، يقابلها تحضير لبنان لملف كبير سيقدّم للأمم المتحدة عن جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحق لبنان، وسياسة الأرض المحروقة التي تعتمدها. وسيطالب بتعويضات مالية عن الأضرار التي لحقت بالأراضي والممتلكات وفقاً للقوانين الدولية.