في عصر السوشيال ميديا، أصبح من الشائع مشاركة القرارات الشخصية أمام العامة، وهو ما يولّد ضغطًا على الأفراد لتبني قرارات قد تكون غير واقعية في بعض الأحيان.

مع بداية كل عام جديد، تنتشر ظاهرة شائعة تعرف بـ"New Year, New Me"، يعبّر فيها الناس على مواقع التواصل الاجتماعي أو في أحاديثهم اليومية عن نيتهم تغييرّ عاداتهم أو حياتهم بشكل جذري. هذه الظاهرة تعكس رغبة الإنسان في تحسين ذاته، ولكنها تثير تساؤلات حول الأسباب النفسية والاجتماعية التي تدفع الكثيرين لاتخاذ هذه القرارات، بالإضافة إلى فوائدها وسلبياتها.

ما هي ظاهرة "New Year, New Me"؟

تعني الظاهرة رغبة الشخص في تحسين جوانب معينة من حياته مع بداية العام الجديد، سواء كان ذلك عبر تطوير الذات، تحسين الصحة، تحقيق أهداف مهنية أو شخصية، أو التخلي عن عادات سيئة. يظهر هذا المفهوم غالبًا في قوائم القرارات السنوية (New Year Resolutions) التي يضعها الأشخاص لأنفسهم.

الأسباب النفسية وراء الظاهرة

تشرح مدربة الحياة راوية عيتاني في حديثها لموقع "الصفا نيوز" أنّ العديد من الأسباب النفسية تكمن وراء هذه الظاهرة وتذكر منها:

1. التفاؤل بالأوقات الجديدة:

وفقًا لدراسة أجرتها الدكتورة سوزان ويتمر، أستاذة علم النفس في جامعة هارفارد، فإن البدايات الجديدة تُعطي شعورًا بالتحفيز والتفاؤل، إذ يعتقد الأفراد أن بداية العام فرصة لتصحيح الأخطاء والبدء من جديد.

2. الرغبة في السيطرة:

يميل الإنسان إلى الشعور بالتحكم في حياته، وقرارات العام الجديد تُظهر هذا الجانب النفسي. قرارات مثل "سأمارس الرياضة يوميًا" أو "سأتوقف عن التدخين" تمنح إحساسًا بالسيطرة على المستقبل.

3. البحث عن التقدير الذاتي:

يتطلع الكثيرون لتعزيز صورتهم الذاتية، سواء أمام أنفسهم أو أمام الآخرين. القرارات المرتبطة بالتغيير تعكس رغبة في إثبات الذات وتحقيق الاعتراف المجتمعي.

الأسباب الاجتماعية

وبالإضافة إلى الأسباب النفسية هناك أسباب اجتماعية تدفع الأفراد إلى تبني هذه الظاهرة، تعدد عيتاني بعضا منها وتقول "من أبرز الأسباب نذكر أولا، ضغط المجتمع ومواقع التواصل الاجتماعي، ففي عصر السوشيال ميديا، أصبح من الشائع مشاركة القرارات الشخصية أمام العامة، وهو ما يولّد ضغطًا على الأفراد لتبني قرارات قد تكون غير واقعية في بعض الأحيان. ثانيا، الثقافة الاستهلاكية. وهنا يشير عالم الاجتماع جون ديفيز إلى أن الشركات التجارية تستغل بداية العام للترويج لمنتجاتها أو خدماتها التي تعد بتحقيق "التغيير،" مثل اشتراكات الصالات الرياضية أو برامج تطوير الذات"..

وإلى جانب الأسباب هناك أهداف تأتي من قرارات العام الجديد، التي يطمح من خلالها البعض برأي عيتاني، إلى "تحقيق التغيير الإيجابي، سواء كان الهدف تحسين الصحة، أو تقوية العلاقات، أو تحقيق نجاح مادي أو مهني، فإن قرارات العام الجديد تعكس رغبة الإنسان في أن يصبح نسخة أفضل من نفسه، فيما يعمل قسم آخر على إصلاح الأخطاء الماضية. فغالبًا ما تكون هذه القرارات نابعة من الشعور بالندم على أفعال أو عادات في العام الماضي، مثل الإفراط في الأكل أو عدم توفير المال".

حسنات الظاهرة

من جهتها ترى المتخصصة في علم الاجتماع رولا فرج، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" أنّ لظاهرة الـNEW YEAR NEW ME، الكثير من الحسنات وعلى رأسها يأتي التحفيز الشخصي، إذ يمكن أن تكون القرارات حافزًا قويًا لتحقيق التغيير المطلوب. على سبيل المثال، السيد أحمد، وهو مهندس يبلغ من العمر 35 عامًا، قرر بداية العام الجديد اتباع نظام غذائي صحي وخسر 15 كيلوغرامًا في أول ستة أشهر، فتحسّنت صحته وزادت ثقته بنفسه. ويساعد اتخاذ قرارات سنوية على تطوير الانضباط الشخصي والالتزام بالأهداف. وتسهم هذه الظاهرة في تطوير المهارات، حيث أنّ القرارات مثل تعلم لغة جديدة أو اكتساب مهارة مهنية تعود بالفائدة على الأفراد على المدى الطويل."

وبما أن لكل ظاهرة سلبياتها كما حسناتها، تلفت فرج إلى أنّ ظاهرة قرارات العام الجديد لها بدورها سلبيات كالإحباط والفشل. فالدكتور روبرت كارلسون، أستاذ علم النفس الاجتماعي، يشير إلى أن 80% من قرارات العام الجديد تفشل بحلول شهر فبراير، وتوصل إلى الإحباط والشعور بالفشل".

وقد تدفعنا هذه الظاهرة أيضاً إلى تحديد أهداف غير واقعية، بحسب فرج، "إذ يميل الكثيرون إلى وضع أهداف صعبة التحقيق، ما يؤدي إلى التوتر وخيبة الأمل. على سبيل المثال، السيدة مريم، وهي موظفة في شركة، قررت ممارسة الرياضة يوميًا لمدة ساعة، لكنها فشلت بسبب ضغوط العمل".

وأخيرا، تقول فرج، "قد يعاني بعض الأفراد من مقارنة أنفسهم بالآخرين على مواقع التواصل، وهذا يولّد شعورًا بالدونية".

من منظور علم النفس، يؤكد مايكل جونسون أن اتخاذ قرارات واقعية وقابلة للتحقيق هو المفتاح للاستفادة من الظاهرة. وينصح بتجزئة الأهداف الكبيرة إلى خطوات صغيرة لتحقيق النجاح.

من منظور علم الاجتماع، ترى الدكتورة لينا الشامي أن الظاهرة تعكس رغبة الإنسان في التفاعل مع المجتمع والتكيف مع التغيرات. لكنها تُحذر من تأثير الضغط الاجتماعي في دفع الأفراد إلى أهداف غير مناسبة.

وعليه، فإنّ ظاهرة "New Year, New Me" هي انعكاس لرغبة الإنسان في تحسين نفسه، لكنها تحمل جوانب إيجابية وسلبية. النجاح في هذه القرارات يعتمد على الواقعية، الالتزام، وتجنب التأثر المفرط بالمجتمع. لذا، ينصح الخبراء بتحديد أهداف صغيرة ومحددة مع وضع خطة واضحة لتحقيقها، مما يجعل بداية العام الجديد فعلاً نقطة انطلاق إيجابية.