قبل مغادرته أبلغ لودريان أنّ ترشيح فرنجية ليس مقبولاً لدى الفريق الآخر كما أبلغ المعارضة ضرورة مغادرة مربّع ترشيح جهاد أزعور.
المؤكّد أنّ الملفّ الرئاسي اللبناني حلّ ضيفاً على اللقاء الذي جمع في السعودية وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان مع المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، الذي أعلن مؤخّراً أنّ على المسؤولين في لبنان الانتقال إلى نقاش الخيار الثالث رئاسياً. ذلك الخيار الذي اندفع بإتجاهه بعد سلسلة زيارات مكّوكية إلى لبنان، وطرحه بعد أن سلّم بإستحالة نجاح أيّ من الثنائي سليمان فرنجية أو جهاد أزعور. قبل مغادرته أبلغ لودريان أنّ ترشيح فرنجية ليس مقبولاً لدى الفريق الآخر كما أبلغ المعارضة ضرورة مغادرة مربّع ترشيح جهاد أزعور. وحين وجد أنّ الطرفين يتمسّكان كلّ بمرشّحه أعلنها على الملأ مستبقاً زيارته إلى المملكة وعودته إلى لبنان في زيارة ختامية ناصحاً الجميع: ابحثوا عن خيار ثالث.
الموفد الفرنسي الذي كان عرّاب مرشح الثنائي الشيعي أعلن نهاية مبادرته بنفسه وبعدما كان الضّيف المعزّز المشكور على تحريكه الجمود الذي يكتنف الملف الرئاسي ومهّد "الثنائي" لخطواته، صار موضع هجوم منه بعدما نصح بسحب ترشيح فرنجية من التداول، فتصدّى له حزب الله مصرّاً على التمسّك بفرنجية، وتراجع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن مبادرته الحوارية. فُكّ تحالف الثنائي مع الفرنسيين فتعاطوا مع زيارة لودريان على أنّها "زيارة رفع عتب وتسجيل الحضور في السباق الرئاسي المحموم" ولا ينتظرون منه جديداً عمّا قريب.
لا يحمل القطري أيّ مبادرة محدّدة بل مجموعة أسماء لمرشّحين مفترضين
يعود لودريان أوائل تشرين المقبل إلى بيروت من دون خريطة طريق واضحة، ينوي حسب معلومات مصادر ديبلوماسية استكمال لقاءات جسّ النّبض تجاه الخيار الثالث بعقد لقاءات ثنائية في قصر الصنوبر. وسيسعى إلى استضافة الجميع إلى لقاء جامع لا تنطبق عليه تسمية حوار، تجنّباً لتحسّس قوى المعارضة. بالحسابات الأميركية يجب أن تكون زيارة الموفد الفرنسي بمثابة المحاولة الأخيرة قبل أن يجيّر الدور إلى قطر، التي مدّد موفدها زيارته إلى لبنان أيّاماً إضافية لاستكمال جولته على المسؤولين.
لا يحمل القطري أيّ مبادرة محدّدة بل مجموعة أسماء لمرشّحين مفترضين. هو أيضا وإن كان لم يسبق له أن تبنّى خيار فرنجية أو أزعور، لكنّه وصل إلى خلاصة مفادها أنّ ترشيحهما معاً لم يعد مجدياً، ويجب الدخول في نقاش حول خيار ثالث. وخلافاً للفرنسي لم يأتِ حاملاً مبادرة واضحة، بل تحدّث بشكل عام واستعرض في خلال لقاءات عقدها أسماء مرشّحين للرئاسة كان أبرزهم المدير العام للأمن العام بالوكالة العميد الياس البيسري وزيارد بارود ونعمة افرام، لكنّه تجنّب في عين التينة استعراض أسماء أو الدخول في ترشيحات، لكنّه فاتح حزب الله والتيار الوطني الحرّ وآخرين بترشيح البيسري.
شكّل ترشيح مدير عام الأمن العام بالإنابة مفاجأة لكثيرين، وحتّى من لم يعارض الاقتراح بشأنه، كي لا يظهر كمعطّل للمبادرات. وليس معلوماً مدى دقّة المعلومات التي تحدّثت عن أنّ البيسري قصد بزيارتيه إلى الوزير السابق سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد ميشال سليمان توضيح موقفه من مسألة طرحه كمرشّح خيار ثالث للرئاسة، لكأنّه يتهيّب الفكرة أو يحاذر من حرق اسمه.
تختلف النظرة إلى الخيار الثالث بين فريق سياسي وآخر. لفظ اسم أيّ مرشّح على أنّه الخيار الثالث لم يدرج بعد في قاموس الثنائي الشيعي، ولاسيما حزب الله الذي يرفض مجرد النّقاش بفرضيته. المؤيد لترشيح فرنجية يؤكّد أن لا خيار ثان أو ثالث لديه للرئاسة بإستثناء مرشحه. لا يوافق على انعدام حظوظه لغياب التوافق على انتخابه ويعتبر أنّ جلسة الانتخاب الأخيرة كانت بدايته وليست النهاية، أي أنّه بدأ بتأييد واحد وخمسين صوتاً ولم ينته بهذا الرقم، وإذا ما نجحت المفاوضات الدائرة بشأنه مع التيار فربما يتأمّن وصوله إلى بعبدا.
كلّما فوتح باسم مرشح غير فرنجية أو سُئل عن الخطّة باء الرئاسية بعد فرنجية كان جواب حزب الله حاضراً، بالتعبير عن التقدير والتأييد لحلفائه وأصدقائه ومن بينهم قائد الجيش الذي كان سيكون مرشّحه لولا أن التزم الوفاء بوعده له إلى أن تنضج ظروف انتخابه.
كثيرة هي الأسماء التي تطرح كخيار ثالث، والتي بلغت مسامع حزب الله وكان من بينها إلى قائد الجيش العماد جوزف عون كلّ من زياد بارود والبيسري ونعمة افرام وفريد البستاني وجورج خوري وآخرين. أسماء تتطاير فوق سماء القصر الرئاسي، بعضها جدّي وآخرين طرحوا بقصد الحرق. ومن جانب قوى المعارضة بقيت كلمة سرّها ترشيح أزعور، وإن كانت تعرف ضمناً تراجع حظوظه. ترفض الحوار حول الرئاسة أو تأييد أيّ مرشّح يطرحه حزب الله لكنّها تعتبر أنّها أوّل من ذهب باتجاه الخيار الثالث يوم تبنّت ترشيح أزعور. أمّا التيار الوطني الحر فكان صريحاً مع حليفه حزب الله يوم اشترط القبول بفرنجية مقابل الصندوق الإئتماني واللامركزية الإدارية، "فإذا كان بحثهما يستلزم وقتا طويلا فالأجدى أن ندخل بحوار حول المرشح الثالث".المفارقة في العلاقة بين التيار وحزب الله أنّ كلاهما يأمل أن يصل إلى وقت يقنع الآخر بخياره وهذا مستبعد.
فرنسا التي نادت بالمرشّح الثالث ليس لها مرشحاً معيناً لكنّها سحبت تأييدها لمرشح الثنائي، بينما لا تظهر أميركا فائض إهتمام لعلمها أنّ أيّ رئيس سيتعاون معها في نهاية المطاف، ولذا فلا تجاهر بمعارضة فرنجية ولا بتأييد قائد الجيش وإن فضّلته على آخرين. عين أميركا على الحدود. أمّا المملكة فلا تريد تبنّي مرشح تضطر لدعمه بل تنتظر انتخاب الرئيس لتبني على أساسه مستقبل علاقتها مع لبنان. قطر مؤيّدة للخيار الثالث وتصرّ عليه لكنّها هي أيضا لم تسمّ مرشحاً يخصها بعد.
إلى أن يحين الوقت يبقى الخيار الثالث مجرّد نقاش بلا جدوى، وتؤكّد مصادر سياسية معنية بالنقاش الرئاسي أنّه من السابق لأوانه الانخراط في نقاش خيار ثالث طالما أنّ ظروف انتخاب الرئيس إقليمياً ودولياً لم تنضج بعد. العين على اليمن وسوريا وتطبيع العلاقة المحتمل بين إسرائيل والسعودية. خطوة إن حصلت من شأنها أن تعيد خلط الأوراق في المنطقة ناهيك عن مستقبل العلاقات الأميركية مع إيران والتي تتقدّم ببطء، وإلى أن تختمر فلا يرى اللاعب الأساسي في الإستحقاق أي حزب الله نفسه مضطراً لتقديم أوراق اعتماد رئاسية بلا ثمن، ولذا فهو يتعاطى على أنّ الرئاسة لا تزال بعيدة والفراغ سيتمدّد.