لا يفوِّت وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي مناسبة أو فرصة أمنية كانت أو سياسية، ليُبرز نفسه كمرشّح محتمل لرئاسة الحكومة، مستغلاً غياب رموز الطائفة السنّيّة عن المشهد السياسي قصراً أو خياراً، فأداء مولوي السّاعي لإرضاء أصحاب القرار عربيّاً ومحلّياً على مدى نحو سنتين (عمر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية) خير دليل على ذلك.
وفي لبنان جرت العادة على مدى عقود زمنية خلت، أنّ غالبية من تبوأ مناصب مُعيّنة مثل الوزارات السيادية أو كبريات الإدارات العامّة أو حتّى المؤسسات الأمنية أصبحوا بُحكم المرشّحين الطبيعيين للمناصب الرئاسية وفق التوزير أو التوزيع الطائفي لهم، فترى على سبيل المثال لا الحصر حاكم المصرف المركزي السّابق رياض سلامة الذي جهد لأكثر من 30 عاماً في إرضاء أصحاب القرار والمتنفّذين من واشنطن وصولاً إلى أصغر مسؤولي الدّولة اللبنانية ودفع الأموال ورعى المهرجانات والاحتفالات على أمل أن يتسلّم في يوم من الأيام رئاسة الجمهورية، والنتيجة كانت كما هي عليه اليوم "مطلوب للعدالة".
وتلك العادة مجهولة المصدر التي اكتسبها المسؤولون يلاقيهم إليها المحيطين بهم وبعضاً من عامّة الشعب فترى الوزراء السياديين مثلاً يُرحَّب بهم بالمناسبات "أفراحاً كانت أم اتراح"، بأهلاً "فخامة الرئيس أو دولة الرئيس" فيبتسم المنعوت ابتسامةً خفيفة ومن ثم يبدأ بالتعفّف عن المناصب والمسؤوليات ظاهراً، بينما ما تضمره النفوس يكون معاكساً تماماً لذلك حيث، ما إن يخلو إلى نفسه حتّى تبدأ أفكار السلطة تراوده وتدغدغ مشاعره فيصعد الدخان إلى رأسه "رويداً رويدا"، أو كما يقال ع اللبناني "بتكبر الخسّة"، وبعدها يبدأ بتثقيف نفسه عمّن شغلوا المناصب الرئاسية سابقاً لاتقان تقليدهم، خصوصاً أهمّهم وأكبرهم هالة وسلطةً ونفوذاً بالنسبة إليه، بدءاً من نبرة الصوت وطريقة "لف" ربطة العنق وصولاً إلى تفاصيل التفاصيل.
إشكال قديم يتجدّد كل فترة بين مولوي ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والذي بدأ عندما وافق مولوي في بادىء الأمر على اقتراح عثمان بإتباع فرع المعلومات إلى وصايته وفصل العميد جهاد ابومراد لأسباب تراتبية، بعدها ولأسباب سياسية قرّر مولوي الانقلاب على اتفاقه مع عثمان ما عكّر صفو العلاقة بين الطرفين لتلحقها جملة من الرّسائل المبطّنة المتبادلة والتي أتت على شكل قرارات متعلّقة بوزارة الداخلية وقوى أمن الداخلي.
يبقى السؤال، ماذا استجدّ ودفع بمولوي أن يوقع على طلب القضاء بملاحقة عثمان بتهم الفساد، فهل عثمان وحده فاسد؟ قرار مولوي أثار غضباً عارماً في أوساط الطائفة السنّية وبين رموزها، فشنّ نواب تيار المستقبل السابقون وعدد من المرجعيات السياسية هجوماً شرساً على مولوي من خلال تصريحاتهم ومدوناتهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
يتزامن ذلك كلّه مع تقاعس كبير من قبل مولوي في إدارة شؤون وزارته الأساسية، فمن يصدّق أنّ بلداً تسير فيه ما يزيد عن مليوني سيارة من دون دفع رسوم ميكانيكية، وأنّ أكثر من 300 ألف سيارة وآلية بانتظار أن تفتح النافعة أبوابها ليتقدموا بتسجيلها، إذ إنّ أصحابها الآن يسيرون بها بطريقة غير شرعية. فكيف لمن فشل في تنظيم شؤون النافعة ومصلحة تسجيل السيارات أن يدير حكومة؟! وهل أصحاب القرار برأيه غافلون عن فشله ليذكروا اسمه لرئاسة حكومة في الوقت الحالي والدولة تعاني ما تعانيه من أزمات؟.
ما كتب في هذا المقال ليس غراماً وهياماً بطول عماد عثمان أو لأنّه معصوم من الخطأ أو بلا ذنوب، إنّما الآن وأكثر من أيّ وقت مضى لا ينقص البلاد أي خضّة على صعيد الملف الأمني أو التعكير على دور القوى الأمنية وخصوصاً مؤسسة قوى الأمن الداخلي التي يزيد عمرها عن 160 عاماً، وإذا من حملة فساد يجب أن تشن، فالأجدر ان يتم وضع ملفات الجميع على الطاولة دفعة واحدة وأمام الجميع، فهل يجوز رهن أمن البلاد والعباد فقط لأنّ البعض يلاحق حلم اليقظة وهو أشبه بسراب صحراء الربع الخالي.