المُلفت في الأمر أنّ مشروع الموازنة لم يتضمّن قطوعات الحساب الغائبة منذ العام 2005 (آخر قطع حساب يعود إلى العام 2003). وبالتالي سيرتكب المسؤولون مُخالفة دستورية جديدة بحكم المادة 87 من الدستور والمادة 105 من النظام الداخلي للمجلس النيابي. ويعتبر الدستوريون أنّ تصويت أكثر من ثلثي أعضاء المجلس النيابي على مشروع الموازنة هو بمثابة تعليق للمادّة 87 من الدستور والمادة 105 من النظام الداخلي للمجلس النيابي.
أرسل وزير المالية يوسف الخليل الأسبوع الماضي مشروع قانون موازنة العام 2023 إلى الحكومة وذلك لدراسته وإقراره وإحالته إلى المجلس النيابي. ويأتي هذا الأمر بعد مرور عشرة أشهر على إنتهاء المهل الدستورية (كان من المفروض أن يتمّ رفعه إلى مجلس الوزراء في أيلول 2022) مما يجعلها موازنة "أمر واقع" أكثر منها موازنة واقعية إصلاحية. من جهتها أعلنت رئاسة مجلس الوزراء عن عقد جلسات مُتتالية على مدى أسبوع وذلك لبحثه وإقراره وفق الأصول وإرساله إلى المجلس النيابي.
المُلفت في الأمر أنّ مشروع الموازنة لم يتضمّن قطوعات الحساب الغائبة منذ العام 2005 (آخر قطع حساب يعود إلى العام 2003). وبالتالي سيرتكب المسؤولون مُخالفة دستورية جديدة بحكم المادة 87 من الدستور والمادة 105 من النظام الداخلي للمجلس النيابي. ويعتبر الدستوريون أنّ تصويت أكثر من ثلثي أعضاء المجلس النيابي على مشروع الموازنة هو بمثابة تعليق للمادّة 87 من الدستور والمادة 105 من النظام الداخلي للمجلس النيابي.
مُشكلة غياب قطوعات الحساب، بالإضافة إلى كونها مُخالفة دستورية (سبق وقبل بها المجلس الدستوري)، فهي لا تتماشى مع الحوكمة المالية الشفافة التي يُطالب بها الشعب اللبناني وأيضًا صندوق النقد الدولي. بلغ دين الدولة قُبيل الأزمة أكثر من 92 مليار دولار أميركي نصفه بالدولار الأميركي، والنصف الأخر بالليرة اللبنانية على سعر دولار 1500 ليرة لبنانية. هذا الدين – قبل الأزمة – كان بنسبة 85% من أموال المودعين (بالدولار والليرة) وبالتالي كان توقّف الدفع العشوائي الذي قررته الحكومة في أذار العام 2020، قرارًا سيئًا على المودعين.
في الدول المُتطوّرة، تقوم الحكومات بإرسال قطع الحساب الصادر عن ديوان المحاسبة عن العام المُنصرم لكل مُكلّف في الدولة. وبالتالي يستطيع كل دافع ضرائب في هذه الدول معرفة أين صُرفت الأموال وإستطرادًا المحاسبة في الإنتخابات المُقبلة. لكن في لبنان، غابت قطوعات الحساب منذ العام 2005 وهو ما لا يسمح للمواطن اللبناني معرفة أين تُنفق الحكومات المتعاقبة الأموال العامة. المطالبة بقطوعات الحساب تنبع من وجودها بالدستور ولكن أيضًا من الأداء المالي السيء الذي يعيشه لبنان. فرئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان تحدّث في حديث صحفي (في العام 2019) عن 27 مليار دولار أميركي مجهولة المصير في حسابات الدولة، أضف إلى ذلك أنّ ديوان المحاسبة أصدر تقريرًا عن حسابات وزارة الإتصالات أظهر هدرًا بستة مليارات دولارات أميركية. أيضًا وأيضًا وفي العام 2019، قام وزير المال أنذاك علي حسن خليل بعرض تقرير على مجلس الوزراء أظهر من خلاله أن أكثر من 92% من الهبات التي تلقّاها لبنان بين الأعوام 1997 و2002 لم تُسجّل في حسابات الدولة وأنّ أكثر من 80 مؤسسة عامة لها حسابات في المصارف الخاصة، كما أنّ رئيس الجمهورية السابق ميشال عون كان قد أظهر في وقت سابق تقريرًا عن قطاع الكهرباء بيّن أن ال كلفة تفوق الـ 36 مليار دولار أميركي... كل هذا يطرح أسئلة عن طريقة إستخدام المال العام ويفرض وجود قطوعات حساب عن الأعوام 1993 إلى العام 2022.
غياب قطوعات الحساب يضرب مصداقية الدولة خصوصًا الشقّ الإصلاحي ويُشكّل عائقًا أمام إستعادة ثقة النظام المالي العالمي، والدول والمستثمرين بالإقتصاد والموازنات العامة وحتى إدارة قطاع النفط والغاز. ولكن من الظاهر أن هناك نيّة بإتباع مبدأ "عفا الله عما مضى" خصوصًا أنّ خطّة الحكومة تشطب الديون السيادية من دون أي محاسبة للمخطئين.
هذه الموازنة تلبية لمطالب صندوق النقد الدولي أكثر منه موازنة تهدف إلى تصحيح الخلل في المالية العامة
تقنيًا، السؤال الأول المطروح هو عن كيفية نقاش مشروع موازنة يعتمد على سعر منصة صيرفة ذات المصير المجهول؟ فإلغاء المنصة يفرض وجود سعر صرف آخر. فكيف تُقرّ موازنة على سعر سيختفي في شهر أيلول (بحسب خطة نواب الحاكم)؟ لا يُعقل أن يكون هذا السيناريو هو المطروح!
النقطة الثانية تطال الوقت المتبقي من السنة، حيث أن طرح مشروع الموازنة اليوم يعني أن لا إقرار لهذه الموازنة قبل شهر أيلول أو تشرين الأول أي أن تطبيقها سيمتد على شهرين أو ثلاثة أشهر وهو ما يعني أن هذه الموازنة هي موازنة محاسبية بإمتياز (أي تسجيل عمليات)!
النقطة الثالثة تطال إيرادات الدولة المُقدّرة بـ 147 تريليون ليرة لبنانية والتي بإعتقادنا أنها لن تتحقّق خصوصًا أن أرقام تهريب البضائع التي تدخل إلى لبنان تُشير إلى نسبة تفوق الـ 80%. مما يعني أن الإيرادات الموضوعة في الموازنة هي غير واقعية وبالتالي، وبفرضية بقاء الإنفاق على نفس المستوى أي 181 تريليون ليرة لبنانية، فإن العجز المتوقّع سيرتفع حكمًا. أضف إلى ذلك حجم الضرائب والرسوم والذي عادة يؤدّي إلى زيادة التهرّب الضريبي مع توسّع إقتصاد الكاش. بالطبع بعض القطاعات مثل الإتصالات والكهرباء والرسوم سترتفع إيراداتها، في حين أن الضريبة على القيمة المضافة والرسم الجمركي لن تكون على الموعد.
النقطة الرابعة تطال الإنفاق حيث أنّ أيّ تفلّت في سعر الصرف يعني أنّ الإنفاق سيرتفع وخصوصًا أجور القطاع العام التي سترتفع حكمًا تحت تأثير الضغط الشعبي وهو ما يعني إرتفاع العجز.
بالطبع الإعتراضات كثيرة ولا يُمكن ذكرها كلها هنا، لكن النقطة الأهم تبقى على هذا المستوى هو العجز في الموازنة. من سيموّل هذا العجز؟ تاريخيًا كان تمويل العجز يتمّ من خلال إصدار سندات خزينة ومن خلال تسهيلات من مصرف لبنان لصالح خزينة الدولة. اليوم ومع توقف الحكومة عن دفع دينها، ومع إستنزاف إحتياطات المصرف المركزي، من أين ستُموّل الحكومة هذا العجز؟ أغلب الظنّ من الإحتياطي الإلزامي وهو ما يُبرّر إلى حدٍ كبير طلب نواب الحاكم التشريع الذي يسمح لهم المسّ بالإحتياطي الإلزامي – أي أموال المودعين. بإعتقادنا أنه وبفرضية وقف منصة صيرفة، فإن تضخّم الموازنة (من ناحية الأرقام) سيرفع سعر صرف الدولار مُقابل الليرة اللبنانية أقلّه بأربعة أضعاف ونصف!
إننا نرى في مناقشة هذه الموازنة تلبية لمطالب صندوق النقد الدولي أكثر منه موازنة تهدف إلى تصحيح الخلل في المالية العامة – المسؤول الأول عن الإنهيار المالي والنقدي والمصرفي الحالي. وبالتالي من دون إعادة فرض السيادة المالية على الأراضي اللبنانية وبالتحديد وقف التهريب، والتهرب الضريبي والذي يعني ضبط الحدود ومُحاربة إقتصاد الكاش، هناك شبه إستحالة لإقرار موازنة إصلاحية وستكون هذه الموازنة مثل سابقاتها موازنة حسابية لا أكثر ولا أقلّ.