النوايا الطيبة لا تكفي لإنجاح مبادرة، بل يتطلّب الأمر إجتماع عناصر عدّة أوّلها "المونة" على الأفرقاء أو بمعنى آخر النفوذ بما يسمح الضغط عليهم لتليين وجهات نظرهم، وثانياً المكانة المرموقة بين الأصلاء المتخاصمين، فمن دون أدنى شكّ، فرنسا لا تملك هذه المكانة للتأثير على قرارات بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، ولا حتّى الدول العربية المعنيَّة مثل مصر وقطر، وإلّا فما الذي كان يمنع نجاح المبادرة الأولى.

ليست المرّة الأولى التي تفشل فيها فرنسا بإطلاق مبادرة أو جمع اللبنانيين ومن "تمون عليهم" حول كلمة سواء أو خِيار موحّد لإنهاء أزمة حكومية أو رئاسية حتّى. فمنذ ما بعد انفجار بيروت في آب 2020 بأيّام قليلة، وحتّى اليوم تراكم باريس الفشل تلو الآخر في سبيل حلّ الأزمة اللبنانية، ولأسباب كثيرة قد تبدأ بأزمة النّفوذ ولا تنتهي بتعمّد الأُصلاء إفشالها.

بطلب الإنتداب استقبل عدد من اللبنانيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عقب زيارته مرفأ بيروت بعد 3 أيام من وقوع انفجار 4 آب، ولأنّ الواقع لم يتطابق مع المطلب، أطلق ماكرون حينها مبادرة لتشكيل حكومة جديدة عبر تكليف سفير لبنان لدى ألمانيا الدكتور مصطفى أديب لتشكيلها، ولكنّه وأديب لم ينجحا وهذا كان الفشل "الفرنساوي" الأول.

الفشل الثاني جاء في أعقاب سعي باريس لرأب الصّدع الديبلوماسي بين الرياض وبيروت، فبعد يومين اثنين من الضّغط على وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي للإستقالة من الحكومة، بسبب تصريحات سابقة له بشأن الحرب في اليمن، أطلق ماكرون مبادرة فرنسية - سعودية جديدة لمعالجة الأزمة بين الرياض وبيروت، ولكن سرعان ما اصطدمت بشروط سعودية تعجيزية على نسق حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، لما يشكّله هذا الموضوع من حساسية داخلية تتطلّب الكثير من الوقت والنقاش.

أمّا الثّالث فهو فشل الأمس، فبعد اجتماع اللجنة الخماسية (فرنسا، أميركا، السعودية، مصر، قطر)، صدر عنها بيان مشترك ينعيها وإن لم يأتِ على ذكر انتهائها، فبمجرد ألّا يتضمّن أو يوصي بما قام الإجتماع من أجله (الحوار)، فذلك يعني أنّ المبادرة انتهت وربما إلى غير رجعة، خصوصاً وأنّ لودريان الذي كان من المقرّر له أن يحضر إلى لبنان بعد الاجتماع فقد أجّل زيارة إلى أواخر الشهر الحالي.

الجهة الوحيدة القادرة على تقديم هذه الخدمة في عرض المتوسّط هي حزب الله

أوساط مراقبة تؤكّد أنّ النوايا الطيبة لا تكفي لإنجاح مبادرة، بل يتطلّب الأمر إجتماع عناصر عدّة أوّلها "المونة" على الأفرقاء أو بمعنى آخر النفوذ بما يسمح الضغط عليهم لتليين وجهات نظرهم، وثانياً المكانة المرموقة بين الأصلاء المتخاصمين، فمن دون أدنى شكّ، فرنسا لا تملك هذه المكانة للتأثير على قرارات بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، ولا حتّى الدول العربية المعنيَّة مثل مصر وقطر، وإلّا فما الذي كان يمنع نجاح المبادرة الأولى.

وتلفت الأوساط إلى أنّ النتيجة على طاولة اللجنة الخماسية جاءت على الشكل الآتي: 3 دول داعمة لإسم قائد الجيش العماد جوزيف عون للوصول إلى سدّة الرئاسة (واشنطن، الدوحة، القاهرة). وفيما لم تدخل السعودية بلعبة الأسماء لا تتنكّر فرنسا لحماسها لاسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو لخيار الثنائي الوطنيّ إن صحّ التعبير.

هذه الحماسة الفرنسية بحسب الأوساط نفسها تقوم على مبدأ المصالح البحتة، إذ إنّ فرنسا تريد ضمان الحماية لمنشأة توتال الفرنسيّة قبالة الشواطئ اللبنانية خلال عمليات استخراج النفط، حيث تعتبر الأخيرة أنّ الجهة الوحيدة القادرة على تقديم هذه الخدمة في عرض المتوسّط هي حزب الله، في حين تحتفظ السعودية بدور المتفرّج والمستمع للرأي الآخر، حيث تعتقد الرياض أنّ ما ينتظرها من ملفّات في اليمن وسوريا وإيران أعمق وأعقد بكثير، وأنّه على أسس الحلّ لتلك العقد تنحلّ الأزمة الرئاسية اللبنانية تلقائياً، والتي لا تزال تعتبرها الرياض في مرحلة الوقت بدل الضائع.

لا تعارض بين أولويات التيار والبيان الذي صدر عن الخماسية في قطر

من جهتها، تؤكّد مصادر التيار الوطني الحر لـ"الصفانيوز"، أنّ موقفها لم يتغيّر ولم يتبدّل بشأن الإستحقاق الرئاسي وأهمية انجازه سريعاً، إمّا من خلال الحوار والتوافق على رئيس للجمهورية أو من خلال احترام القواعد الديموقراطية والاحتكام للتصويت داخل المجلس النيابي، لافتةً إلى أنّه في حال كانت مواقف الدول المعنية مساعدة فهذا أمر مُرحّب به، أمّا إذا كانت تهدف إلى فرض أجندات عكس المصلحة الوطنية فهذا أمر مرفوض.

وتشدد المصادر نفسها، على أن لا تعارض مع أولويات التيار والبيان الذي صدر عن الخماسية في قطر أمس، خصوصاً لجهة ما يتعلّق بالاصلاحات الإقتصادية والمالية والقضائية، مشيرةً إلى أن التمسّك بالقرارات الدولية والطائف يتماشى مع خطاب التيار السياسي، و أنّ التيار لا يزال متمسّكاً بـ"جهاد أزعور" كمرشّح رئاسي.

في المقابل، تعتبر مصادر مواكبة للحوار بين التيار وحزب الله، أنّ الحوار بين الطرفين يسير بشكل طبيعي وأنّه في حال خُيّر التيار بين فرنجية وقائد الجيش كاحتمالين لا ثالث لهما، فإنّ فرنجية سيكون أهون الشرّين عليه، ولكن قبل ذلك كلّه يشترط التيار الإتفاق على نقطة أساسية عالقة كانت في صلب تفاهم مار مخايل، وهي "بناء الدولة" بشكل فعلي والتي كانت سبباً رئيساً في تعكير صفو العلاقة بينهما، إذ وضعت الحزب في موقع حرج بين حليفين اثنين، حركة أمل من جهة والتيار من جهة أخرى، وحتّى اليوم يفضّل الحزب الحركة.

أمّا القوات اللبنانية التي كانت واستبقت جولة لودريان الاقليمية "ما يعذب حالو"، لا تزال على موقفها الرّافض للحوار، وهي ربّما تعتبر بأنّ الظروف الاقليمية ليست في مصلحتها الآن وتفضّل الانتظار.

واستقبل رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، اليوم، نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الذي أشار عقب اللقاء، إلى أن "الزيارة الثالثة تمحورت حول الفراغ الحاصل في البلد وعن إمكان التواصل أكثر بين الأفرقاء للوصول الى حلٍّ ينهي هذا الفراغ القاتل".

وكشف أن "النقاش تركّز مباشرة على احتمال إقامة حوار أو نقاش بين الأفرقاء أو الكتل، ما يُطرح داخلياً في بعض الأحيان وخارجياً في أحيان أخرى"، لافتاً إلى أنه لمس "عدم اقتناع رئيس القوات بطاولة حوار تقليدية، كما كان يحصل في الماضي، اذ يعتبر أنه من الضروري الإسراع في التوصل الى حلّ ينهي الفراغ الرئاسي".

وأضاف: "موقف الدكتور جعجع في هذا الاطار لم يتغيّر، علما انه منفتحٌ على اي تشاور او تواصل او تفاهم مع الأفرقاء كافة من دون استثناء بغية تحقيق الهدف المنشود. وتحدثنا عن هذا الموضوع الذي يحتاج الى متابعة، وما زال من المبكر تناوله في الاعلام".