صمتٌ سياسي مُطبق يرافق الأيّام القليلة التي تبعت مغادرة الموفد الفرنسي جان ايف-لودريان بيروت، حيث عاد إلى الاليزيه بملفّ مُتخمٍ بالخلافات اللبنانية الضيّقة المُتعلّقة بالأزمة الرئاسية التي تشهدها البلاد منذ 9 أشهر تقريباً، في حين أدرك الجميع وبلا استثناء أنَّ ثمّة نقطة إرتكاز رئيسة يُمكن أن تُخرجنا ممّا نحن عليه وتتمثّل بتوافق داخلي ليس بين المتقاطعين على اسم أو الداعمين لشخص، إنّما بين متقاطعين أو متقاطع وداعمين أو داعم. 

مصادر القوات اللبنانية تؤكَّد لـ"الصفا نيوز"، أنّ قائد الجيش العماد جوزيف عون أظهر مراراً إستقلاليةً ودوراً مميزاً في قيادته للمؤسسة العسكرية، لكن انتخابه يتطلّب تعديلاً دستورياً، مشيرةً إلى أنّ التّقاطع الأخير على اسم الوزير السابق جهاد أزعور يُمثّل معظم ألوان المجلس النيابي، وأنّ أهميته تكمن بتحرّر الرئيس المُتقاطع على اسمه لاحقاً من قيود أجندات الفريق السياسي الذي دعمه للوصول.

وتجيب المصادر رداً على سؤال حول تأزّم العلاقة بين القوات اللبنانية والرياض، قائلة: "إنَّ العلاقة بين القوات والرياض ثابتة ولا تتبدّل وهي قائمة على الاحترام المتبادل بين الطرفين"، في حين ترى بـ"الإتفاق الإيراني - السعودي خيراً، خصوصاً أنّ الأخيرة أعطت اشارتين اساسيتين في بيان بكين تمثلتا برفض التدخّل بشؤون الدول الداخلية والإلتزام بالمواثيق الدولية، وهذا ما نحن معنيون به لجهة رفض التدخل الإيراني في لبنان، بالإضافة إلى إعلان جدّة الذي ذهب أبعد من ذلك ورفض نموذج سيطرة المليشيا على دولة". 

وعن علاقة التيار بالقوات، تشدّد المصادر على أنّها تقتصر على التقاطع الرئاسي فقط وهذا التقاطع لم ينتهِ حتى الساعة، أقلّه بالنسبة للقوات، مضيفةً: "نحن لم نسمع بأنّ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل قد تراجع عن التقاطع على ازعور"، لافتة ً إلى أنَّ الدعوة للحوار في ظلّ تمسك الحزب العلني بمرشّحه (رئيس تيار المردة سليمان فرنجية) فقط، هو تغطية على تعطيله للاستحقاق الرئاسي.

من جهة ثانية، استبعدت مصادر حزب القوات اللبنانية التقاطع مع الحزب على اسم مرشح رئاسي، متابعة: "التقاطع المباشر غير ممكن بسبب الخلاف الاستراتيجي، إنّما التّقاطع غير المباشر عن طريق قوى سياسية مثل بكركي كما حصل سابقاً أو لودريان مثلاً للوصول إلى اسم ضمن لائحة توافقية فهو ممكن، ولكن يجب أن يكون توافقياً فعلياً على رئيس قادر على إنجاز برنامج إصلاحي ومحرّراً من كل القيود وغير خاضع للطرف الآخر"، مشدّدةً في الوقت نفسه على تمسّكها بأزعور حتى إشعار آخر.

كذلك، اتّسمت التّصريحات الأخيرة لكلٍّ من فريقي حزب الله والتيّار الوطني الحر بالكثير من الهدوء بعد ما شهدت "ثوراناً" عقب إعلان التيار تقاطعه مع القوّات على تسمية أزعور للرئاسة، ما دفع بالبعض إلى حدّ الاعتقاد بأنّ تفاهم مار-مخايل إنتهى إلى غير رجعة رغم تأكيد التيار مراراً أنّ التفاهم الذي كان قائماً على ركائز 3 (بناء الدولة، محاربة الفساد، حماية السلم الأهلي)، لا يزال "واقفاً على رجل واحدة"، كما أنّ الحزب نفسه وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله قال إنَّ التفاهم ساري المفعول إلى حين يقرّر التيار نفسه فسخه. 

وتشير أوساط مراقبة إلى أن تصريحات الحزب الأخيرة كانت لافتة في تشديدها على الدعوة إلى الحوار، سائلةً "ولكن أيّ حوار في ظلّ تمسّكه بدعم خيار رئاسي واحد يرفض التخلّي عنه. من سيقود هذا الحوار في حال توافق الجميع عليه؟ ومن هي الشخصية القادرة على جمع الأفرقاء خصوصاً بعد تمنّع رئيس المجلس النيابي نبيه بري من لعب هذا الدور لأنّه بات طرفاً في الأزمة بعد دعمه لفرنجية وفق تعبيره".

وتستبعد أن تلعب بكركي هذا الدور في ظلّ توجّس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من فشله قبل انطلاقه خصوصاً بعد تجارب سابقاً كان آخرها الدعوة إلى الرياضة الروحية. وتوضح المصادر أنّ الشخصية الأبرز التي من الممكن أن تتولّى هذه المهمة هي نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب نظراً لتمايز مواقفه الأخيرة عن فريقه السياسي وتغريده خارج سرب تكتّل لبنان القوي، فضلاً عن أنّ لـ"بو صعب" تجربة سابقة في هذا الإطار حيث عمل خلال الأشهر الفائتة على تقريب وجهات النظر الرئاسية بين الأفرقاء من خلال جولة شملت الجميع بلا استثناء ولكن لم يكتب لها النجاح وهذا، فأنّ الحوار بقيادته سيكون محكوماً بالفشل. 

كذلك، ترى الأوساط أنّه ومنذ بدء الإشكال بين التيار والحزب عقب قرار وزراء الحزب بالمشاركة في الجلسات الحكومية التي قاطعها التيار وحتّى اليوم يُدرك الجميع أنّ مجرد اللقاء الذي يمكن أن يجمع الرئيس ميشال عون وباسيل من جهة وأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله من جهة ثانية يعني أنّ الخلاف انتهى وأنّ دماً جديداً ضُخَّ في عروق تفاهم مار مخايل. في غضون ذلك، سارع التيار الوطني الحرّ إلى نفي ما أوردته إحدى الصحف عن طلب باسيل موعداً للقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ومن الرئيس السوري بشار الأسد، موضحاً: "لا الطلب حصل ولا تمّ الرفض ولا التواصل مقطوع أصلاً، فالأجدى التوقف عن التخيّل واحترام حقوق الناس بالحصول على معلومات صحيحة".