بعض القوى لا تزال عاجزة عن الخروج من مآزقها رغم أنّ المنطقة بأسرها قد فتحت صفحة جديدة، ولم تعد من محاور اليوم ولم يعد حساب حقل الأمس ينطبق على البيدر نفسه
همد حبر الأقلام التي كانت قد استشاطت تحليلاً لمواكبة فعاليات القمّة العربية التي عقدت في جدّة الأسبوع الفائت، وكلّ ما كتب عن اقتراب حلول الأزمة اللبنانية الكبرى المتمثّلة بإنهاء الشغور في سدّة الرئاسة الأولى، بقيَ على ورق الصحف وصفحات المواقع الإخبارية، وها هي دول صراع الأمس (سوريا-السعودية-ايران) مُنهمكة في إعادة ترتيب ذات بينها والملفات كثيرة، أمّا الملفّ اللبناني فعلى طيّته في أسفل جارور الاهتمامات بانتظار أن ينفض الغبار عن أولى صفحاته لتنال البلاد والعباد نصيبها من الاستقرار الذي طرأ على المنطقة، إذ تحوّل السؤال من كيف إلى متى؟ بالدّرجة الأوّلى، بدءاً من العموميات وصولاً إلى جُزيئات الأزمات.
ومن الآن وحتى "تحين الساعة" فإنّ كل القوى السياسية مدعوّة لإيجاد مخرج لبناني الصنع بتوافق الجميع أو بمعارضة البعض، لتمرير هذه المرحلة بأقلّ ضرر ممكن، ولن يكون الخارج ممتعضاً، بل سيكون مرحّباً بغضّ النظر عن حفاوة الترحيب بذلك، إذ أنّ طبّاخي الخارج فاتحوا الحلفاء قبل الخصوم بالـ"لا فيتو" على أحد، والتي تعني اتّفقوا أوّلاً. إلّا أنّ بعض القوى لا تزال عاجزة عن الخروج من مآزقها رغم أنّ المنطقة بأسرها قد فتحت صفحة جديدة، ولم تعد من محاور اليوم ولم يعد حساب حقل الأمس ينطبق على البيدر نفسه.
اللقاء الديموقراطي أكثرهم تصالحاً مع نفسه وسيعود إلى خيار الورقة البيضاء
في غضون ذلك، تنتظر القوى السياسية دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية والتي من المرجّح أن تكون في الـ 15 من الشهر المقبل وفق ما نُقل منذ أيام، إلّا أن الأمس قد حمل معه هواجساً ومخاوفاً حول تلك الجلسة للفريقين، الأوّل الدّاعم لرئيس تيار المردة سيلمان فرنجية إلى الرئاسة الأولى والذي بات متوجساً من اتفاق المعارضة على اسم مواجه ليس لإيصاله إلى بعبدا بل للعمل على انقسام المجلس على اسمين، وبالتالي تكون المعادلة "لا مرشحنا ولا مرشحكم" فلنذهب إلى ثالث. أمّا الفريق الثاني المعارض فهو يخشي من نجاح الأول في تأمين 65 صوتاً لفرنجية من خلال العمل على شق الصف حتى داخل الكتل النيابية.
وبين هذا وذاك بدا اللقاء الديموقراطي أكثرهم تصالحاً مع نفسه إذ لوَّح بالأمس بأنه سيعود إلى خيار الورقة البيضاء والتي ربما سيعود إليها التيار الوطني الحر إذ أن "إعادة تموضع" رئيسه جبران باسيل لم تتضح المعالم بعد، وأزمة الثقة بينه وبين رئيس حزب القوات سمير جعجع كبيرة جداً وهذا الأخير له حساباته للعمل على مبدأ التعطيل حتى ياتي المنقذ ويعيده أدراجه من خنادق المحاور.
وعلى بعد 23 عاماً من اليوم وتحديداً إلى أول الألفية الثالثة عندما عاد جزء الوطن إلى الوطن إثر خروج العدو الاسرائيلي من أراضي الجنوب اللبناني، يطلّ أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مساء اليوم في كلمة متلفزة يتناول فيها ما استجد على الساحتين العربية والإقليمية من خلال ربطها بالأوضاع اللبنانية الراهنة وكيف يمكن الاستفادة منها.
شركاء سلامة ينتظرون سقوطه أكثر من غيرهم ليطعنوه بسكاكينهم
على المقلب القضائي، فإنّ كل ما يتوارد يشى باقتراب سقوط ورقة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يرفض التنحّي الطوعي حتى هذه اللحظة، لأنّه "لا يريد تثبيت تهم تبيض الأموال والاختلاس على نفسه" وفق ما نُقل عنه، ورغم سحب الأخير ورقة التهديد خلال اطلالته الإعلامية الأخيرة "ليبدأ التحقيق بالسياسيين أولاً"، إلّا أنّ ذلك لم ينفعه فلا يقدر أحد على تغطيته ولو حتى بموقف وربما شركاء الأمس ينتظرون سقوطه أكثر من غيرهم ليطعنوه بسكاكينهم.
وفي السياق، استمع المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان، أمس، إلى إفادة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، حول النشرة الحمراء الصادرة عن الإنتربول الدولي استجابة لمذكّرة التوقيف الفرنسية التي أصدرتها القاضية أود بوريزي. وأطلعه على التهم المنسوبة إليه الواردة في متن النشرة الحمراء، فنفى سلامة كل التهم المنسوبة إليه وما يتعلق بالفساد والاختلاس، وأفاد بأن ثروته المالية والعقارية جناها قبل تعيينه حاكما للبنك المركزي في عام 1993.
وفي نهاية الجلسة، قرّر القاضي قبلان تركه رهن التحقيق وحجز جوازي سفره اللبناني والفرنسي وزوّده بصورة عنهما، ونظّم محضراً بوقائع الجلسة لإرساله إلى القضاء الفرنسي، والطلب إليه تزويد لبنان بملف الاسترداد ليبنى على الشيء مقتضاه.