يتفق الجميع على أنَّ العدالة الضريبية تتربع على رأس الشروط لتحقيق كفاءتها. هذا في الدول المستقرة، والتي تنعم بقسطٍ وافرٍ من تطبيق ما تضعه من قوانين. أمّا في الدول التي تدب بها الفوضى والأزمات، كحالة لبنان، فيكبر هذا الشرط ويتضاعف. ويصبح فرض الضرائب المباشرة والموجهة عنصراً أساسياً، ليس لحماية الفئات الأضعف فحسب، إنما للحد من نسب التهرب الكبيرة، وزيادة الموارد للخزينة، وتحقيق النمو الاقتصادي.

الضرائب في لبنان التي لطالما كانت نصف مبصرة، تحولت إلى عمياء في سنوات ما بعد الأزمة. فهي لا تصيب إلا نحو 40 في المئة من المواطنين، في ظل وجود نحو 60 في المئة من الاقتصاد قابع في "الأسود". ولزيادة العائدات والتعويض عن ضعف الرقابة تنتهج الإدارة الضريبية مسارين:

الأول، زيادة الضرائب والرسوم، سواء كان من خلال زيادة نسبها، أو احتسابها على سعري منصة صيرفة والسوق الموازية.

الثاني، التركيز على الضرائب غير المباشرة نظراً لسهولة تحصيلها، كالضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية. ذلك مع العلم أن التجربة أثبتت أن التهرب من هذه الرسوم يسير على قدم وساق. وبحسب وزير السياحة السابق فادي عبود فان "نسبة التهرب من الضريبة على القيمة المضافة تصل إلى 50 في المئة. أما التهرب من الرسوم الجمركية، فحدث ولا حرج عن طرق وأساليب تتفنن بتغيير قيمة الفواتير ونوع البضائع وحجمها. هذا عدا طبعاً عن الرشاوى".

الرسوم التي تتقاضاها الدولة من البنزين تصل سنوياً إلى 200 مليون دولار

ضريبة عمياء على البنزين

جديد الرسوم التي ترهق كاهل اللبنانيين، كان رفع الرسوم على استيراد البنزين يوم أمس من حدود 5000 ليرة على الصفيحة الواحدة إلى حدود 20400 ليرة. وهو الأمر الذي قوض فرصة الاستفادة من تراجع أسعار النفط عالميا إلى حدود 71.93 دولاراً لبرميل خام برنت، وانخفاض دولار السوق الموازية إلى 94600 ليرة.

العبثية في فرض الرسوم المرتفعة على استيراد البنزين دكمة واحدة، تتمثل في عدم التحقق، أو غض النظر، عن مصدر استيراد المشتقات النفطية والتأكد ما إذا كان مفروض عليه رسما جمركياً أم لا. ولجوء الإدارة الضريبية إلى فرض رسوم بقيمة 187230 ليرة على صفيحة كل بنزين عيار 95 أوكتان، في حين تعجز عن رفع بدل النقل بما يتلاءم مع مطالب الموظفين.

وبالأرقام، فان الرسوم التي تتقاضاها الدولة من البنزين تصل سنوياً إلى 200 مليون دولار، إذا افترضنا أن معدل الاستهلاك السنوي يبلغ 100 مليون صفيحة. بيد أنَّ هذا الرقم الذي يبدو كبيراً "يمكن أن يكون مضاعفاً في حال أحسنت الإدارة الضريبية تصويب الرسوم على استهلاك البنزين، وجعله أكثر عدالة"، يقول الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين. فالرسوم التي تتقاضاها الدولة تصيب كل اللبنانيين من الذين يملكون دراجة نارية بقدرة ربع حصان، وصولاً إلى من يملكون السيارات الكبيرة بمئات الأحصنة. وعليه يقترح شمس الدين "تعديل القانون وإلغاء كل الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة، واستبدالهما بضريبة على استهلاك الفائض من البنزين". أمّا لجهة التنفيذ فيشرح شمس الدين الآلية التي يمكن اعتمادها: "يعطى كل مواطن يملك آلية، 50 صفيحة بنزين معفية من الضرائب والرسوم بشكل سنوي عندما يحضر لإجراء المعاينة الميكانيكية أو تسديد الرسوم السنوية. ويُفرض ضريبة بقيمة 10 دولار على كل صفيحة بنزين إضافية يتم استهلاكها فوق الخمسين صفيحة المعطاة من دون ضرائب. وبهذه الطريقة تكون الإدارة الضريبية قد أصابت أكثر من عصفور في حجر توجيه الضريبة الواحد. فهي تخفف على المواطنين عبء الضرائب والرسوم، وتحمله للقادرين من أصحاب السيارات الكبيرة. وتؤمن حوالي 450 مليون دولار من العائدات بدلاً من 200 مليونا. وتضمن إجراء المعاينة الميكانيكية. وتحقق الاقتصاد باستهلاك المحروقات. وتخفيض التلوث. والحد من زحمة السير". وبحسب شمس الدين" تقدر كمية الصفائح التي ستباع مع رسوم إضافية بمقدار 45 مليون صفيحة، مقابل 55 مليون صفيحة تكون معفاة من الضرائب والرسوم".

بدائل أخرى عن الضرائب غير المباشرة

المصدر الثاني الذي يؤمن عائدات وافرة للدولة ولا يصيب الشرائح الفقيرة هو فرض ضريبة على العمالة الأجنبية. وبحسب شمس الدين يوجد في لبنان 117 عامل/ة مسجلين في وزارة العمل لديهم إجازات عمل وإقامة، وهناك 70 ألف عامل مقيمين بطريقة غير شرعية. ومن الممكن فرض ضريبة بقيمة 1000 سنويا، تؤمن 117 مليون دولار لخزينة الدولة سنوياً.

يمكن فرض رسوم قد تصل إلى 200 دولار على جوازات السفر 

المصدر الثالث، هو زيادة الرسوم على تسجيل العقارات التي تزيد قيمتها عن 500 ألف دولار من 5 إلى 10 أو 15 في المئة. وبرأي شمس الدين فان هذا الرسم الذي يصيب الشرائح الغنية يؤمن إيرادات بقيمة 50 مليون دولار.

المصدر الرابع، هو الاملاك العامة البحرية. صحيح أن وزارة الاشغال رفعت مؤخرا قيمة الرسوم بنسبة كبيرة، إلا أنها ما زالت من وجهة نظر شمس الدين زهيدة بالمقارنة مع قيمة العقارية لهذه الاملاك العامة. و"نقدر أن مساحة الاملاك العامة البحرية المشغولة بطريقة قانونية أو غير قانونية 5.5 مليون متر مربع، يجب أن لا تقل الايرادات السنوية منها عن 200 دولار وليس 20 أو 30 مليون دولار. ويمكن الوصول إلى السعر العادل من خلال تخمين سعر العقار على الاملاك العامة البحرية بنفس قيمة تخمين العقار الخاص المحاذي وليس بنسبة 10 و15 في المئة كما يحصل راهناً".

المصدر الخامس جوازات السفر، حيث يمكن فرض رسوما قد تصل إلى 100 و200 دولار. خصوصاً أن مدة الجواز هي لعشرة أعوام.

كل هذه الرسوم يفترض أن تؤمن بالحد الأدنى إيرادات سنوية لا تقل عن مليار دولار للدولة اللبنانية"، يختم شمس الدين. وهي بالتالي تغني عن التمويل من طباعة النقود وزيادة سعر صرف الدولار وبالتالي التضخم وانهيار القدرة الشرائية للرواتب والأجور.