مضايقات، تهديدات، طرد توافقي وآخر تعسفي، اغتيال معنوي وأيضاً آخر جسدي، كلها أفعال عانى ويعاني يومياً منها أهل "مهنة البحث عن المتاعب" (الصحافة)، إذ يبقى أكثرهم ألماً، أكثرهم حبّاً وشغفاً وتعلّقاً، وصحيح بأنّ من الحب ما قتل. قوانين ومعاهدات ومؤتمرات وجمعيات ومنظمات محلية وإقليمية ودولية، ومنذ نشأت الصحافة (مع ولادة أول حرف ترافق معه حاجة الإنسان للتعبير عن فكرة ما)، لم تفلح المهنة في كثير من الأحيان، في ردّ الخطر عن أبنائها لا بل بات الإمعان في الاعتداء على المؤسسات والصحافيين مظهراً من مظاهر إبراز القوّة.
مضايقات، تهديدات، طرد توافقي وآخر تعسفي، اغتيال معنوي وأيضاً آخر جسدي، كلها أفعال عانى ويعاني يومياً منها أهل "مهنة البحث عن المتاعب" (الصحافة)، إذ يبقى أكثرهم ألماً، أكثرهم حبّاً وشغفاً وتعلّقاً، وصحيح بأنّ من الحب ما قتل. قوانين ومعاهدات ومؤتمرات وجمعيات ومنظمات محلية وإقليمية ودولية، ومنذ نشأت الصحافة (مع ولادة أول حرف ترافق معه حاجة الإنسان للتعبير عن فكرة ما)، لم تفلح المهنة في كثير من الأحيان، في ردّ الخطر عن أبنائها لا بل بات الإمعان في الاعتداء على المؤسسات والصحافيين مظهراً من مظاهر إبراز القوّة.
تراجع الحرية الصحافية في لبنان 23 مرتبة لتحل في المركز الـ 130 من أصل 180 دولة داخل التصنيف
لبنانياً، وعلى نسق كل ما يدور حولنا وندور حوله من أزمات، تتراجع الحرية الصحافية في البلاد 23 مرتبة، لتحل في الـ 130 من أصل 180 دولة داخل التصنيف، وفق منصة مراسلون بلا حدود.
أسباب كثيرة تجعلنا في الجزء الأخير من اللائحة، نظراً لما يشهده لبنان من أزمات على مختلف الأصعدة، بفعل الأزمة الاقتصادية واندلاع الاحتجاجات (17 تشرين الأول 2019)، بالتزامن مع ارتفاع وتيرة خطابات الكراهية المبنية على الكثير من التأجيج العرقي والطائفي والمناطقي - العنصري على قاعدة "كل رطل بدو رطل ووقية" من الكراهية والشحن المتمذهب.
كذلك، يُشكّل التأثير المادّي المباشر على الإعلام (صحيفة - تلفزيون - إذاعة - مواقع الكترونية) من قبل القوى النافذة اقتصادياً واجتماعياً، والتي تنقسم إلى معروفة وغير معروفة، ندبةً عميقة في جسد المهنة، فقد بات باستطاعة أيّ متموّل امتلاك منبر إعلامي خاص به مستغلاً حاجة الزملاء للعمل في ظل هذه الظروف، ضارباً بعرض الحائط أبسط القواعد المهنية لركوب موجات "الترند" الرخيصة، فحتى اليوم لا قانون فعال ينظّم انتشار الصفحات الإخبارية والمواقع الإلكترونية التي يفوق عددها الـ2500 موقع في لبنان.
وللأمانة، فإنّ الدور النّقابي على أهميته، لا يشكّل أيّ درع فعّال يمكن للصحافي التحصّن به من الأخطار قبل حصولها، كما أنّها لا تُشكل بالنسبة له كتفاً يسنده في الشدائد، رغم البيانات والاحتجاج والاستنكار والمؤتمرات الصحافية.
وبقرار تعسفي جائر، صُرف صحافيون كثر من مؤسسات عريقة محلية وإقليمية وعالمية، ولم تنجح العراضات ولا حملات المناصرة في إعادة مصروف إلى عمله أو حتى في تحصيله كامل حقوقه أو حقوقها.
شرين أبو عاقلة آخر فرسان المهنة الذين ترجلوا عن صهوة جوادها
شرين أبو عاقلة، آخر فرسان المهنة الذين ترجلوا عن صهوة جوادها. المناضلة التي دفعت حياتها ثمناً لنقل الصورة كما هي، وقد شكّلت حادثة اغتيالها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي مثالاً بليغاً لما يعاني منه أبناء هذه المهنة وعلى أكثر من صعيد.
لم ينجح الدرع الصحافي والخوذة الزرقاء في رد رصاصة خارقة للدروع أطلقت عليها، فالحادث لم يكن عن طريق الخطأ، وفق رواية العدو، انما بإصرار وتصميم القاتل على اغتيالها، خوفاً من صوتها وصورتها التي لطالما لاحقت جرائم العدو بين المخيمات والاحياء الفلسطينية لنقل بشاعة جرائمه.
شبكة الجزيرة العربية، المؤسسة الأم لـ "أبو عاقلة"، أحالت ملف اغتيالها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وشكّلت تحالفاً قانونياً لمتابعة الجريمة في الهيئات القضائية الدولية. وفي معرض تعليق الصحافة الأميركية على الحادثة، أفادت وكالة الـ "أسوشيتد برس" وصحيفة الـ "واشنطن بوست"، بأن تحقيقها يُعزز تأكيدات السلطات الفلسطينية وزملاء الفقيدة بأنّ الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة جاءت من بندقية جندي إسرائيلي.
مهنة الصحافة رسالة ومهمة من جهة لكنها أيضا مصدر رزق وسبيل حياة رغم مخاطرها، فكيف يمكن تحصين هذه الرسالة وتفعيل دورها في عالم ينزلق سريعاً نحو الهاوية. كيف يمكن ضمان حرية الصحافة والصحافي في ظل التهديد بلقمة العيش بل بالعيش نفسه. تلك هي القضية وهذا هو التحدي الذي يستمر أهل المهنة بمواجهته.