ذهبت وزارة الطاقة والمياه في خطة الطوارئ بعيداً في تحرير تعرفة الكهرباء. فانتقلت في ليلة غاب عنها "ضوء قمر" المنطق، من الدعم الكامل إلى التحرير المفرط. مبقية في بنية الفاتورة "المدولرة"، رسوماً "عفا عنها الزمن". لتتحول الإصلاحات المنشودة في قطاع الطاقة من مطلب إصلاحي حقّ، يراد به باطل استمرار التغطية على الهدر والفساد. ولو بشقّ أنفاس المستهلكين وتعريض كلّ الخطة للانهيار تحت وطأة الطعن، ونزع العدّادات.
تتضمن فاتورة الكهرباء الجديدة مجموعة من المخالفات الجسيمة. يأتي في مقدمة هذه المخالفات استمرار تضمين الفاتورة "بدل التأهيل". وذلك بعدما جرى رفعه من 5000 ليرة، إلى 4.5 دولار، أي ما يعادل 467100 ليرة لبنانية على أساس سعر صيرفة + 20 في المئة، (4.5$ * 86500 ليرة + 20٪).
بدل التأهيل
وُضع بدل التأهيل لأوّل مرة على فاتورة الكهرباء بمشروع قرار من مؤسسة كهرباء لبنان في نهاية العام 1995، على أساس أنّه رسم مؤقّت ولمدة 7 سنوات فقط. وقد وضع موضع التّنفيذ لأول مرة في شهر آذار من العام 1996، على أن ينتهي العمل به في العام 2003. اللافت في القرار الذي استند على تحديد بدلات الوصلات والشِعَب للعموم بعد سنوات قليلة على انتهاء الحرب الاهلية، لا يتعلق باستمراره لغاية اليوم، فحسب، إنّما بعدم عرضه على مجلس الوزراء منذ تاريخ صدوره. فـ "مع توقّف مشاريع التأهيل العام الكبيرة بعد الحرب، التي هدفت إلى تأمين سلامة الشبكة الكهربائية وتحقيق الاستقرار عليها، انتفت الحاجة لهذا البدل"، يقول مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة د. غسان بيضون.
"فالقرار بوضع بدل التأهيل فرض آنذاك بموافقة وزارة المالية، ومصادقة وزير الموارد المائية والكهربائية، وبعد موافقة الجهة الاستشارية التي أجازت استثنائياً ولمدة محدودة وضع هذا البدل على الفاتورة"، يقول بيضون. "ومن بعد العام 2003 أصبح التأهيل عملية روتينية عادية، لا تتطلب كما العام 1995 أخذ قروض كبيرة، وأعمال بنيوية شاملة. وقد اقتصرت على معالجة الأعطال المستجدة". وهو الأمر الذي يفرض بالحدّ الأدنى على مؤسسة كهرباء لبنان، ومن خلفها وزارة الطاقة إعادة النّظر ببدل التأهيل وعرضه على مقام مجلس الوزراء، للبتّ ما إذا كانت الحاجة إلى هذا البدل مستمرة. وهذا ما لم، ولن يحصل على ما يبدو. ذلك لأنّه يشكّل مرتكزاً للطعن أمام مجلس شورى الدّولة بقرار رفع التعرفة برمّته وليس بالرسم فقط.
الكلفة الباهظة
من جهة ثانية فإنّ رسم بدل التّأهيل كان يشكّل 1.6 في المئة من الحدّ الأدنى للأجور المحدّد بالمرسوم رقم 8733 تاريخ 08/07/1996 بـ 300 ألف ليرة. ومن ثم لم يعد يشكّل أكثر من 0.7 في المئة من الحدّ الأدنى بعد العام 2011. في حين أنّه يشكّل اليوم نحو 6 في المئة من الحد الأدنى للأجور. وسيزيد أكثر في المستقبل في حال ارتفاع سعر الصّرف على منصّة صيرفة.
سلفة 1000 مليار ليرة
المخالفة الثانية لإذكاء "نار" خطة الطوارئ الكهربائية التي تأتي على "يباس" جيوب المواطنين، كانت إقرار مجلس الوزراء سلفة خزينة بقيمة 1000 مليار ليرة، لوزارة المالية لتسديد فواتير كهرباء الإدارات العامة المتراكمة. فخطّة الطوارئ
ربطت احتساب الشطر الثاني من التعرفة، بتسديد فواتير استهلاك الطاقة الكهربائية من الإدارات العامّة والمؤسّسات، البالغة قيمتها حوالي 230 مليون دولار سنوياً. فإذا لم يسُدّد هذا المبلغ تصبح التعرفة 37 سنتاً بدلا من 27 سنت. وأمام حالة الإفلاس التي تشهدها إدارات الدّولة ومؤسساتها أقرّ مجلس الوزراء هذه السلفة غير القانونية. فبالقانون تعطى سلفة الخزينة لعدّة أسباب، ولا واحد منها يتعلّق بتسديد الفواتير"، بحسب بيضون. "فسلفة الخزينة تعطى لتمويل مستودعات الإدارة بلوازم مشتركة، كالقرطاسية على سبيل المثال. وهذه السلفة ستسدّد باعتمادات في موازنة العام 2023". إلّا أنّ هذه الموازنة التي ستكون مثقلة أيضا باعتمادات الفواتير الجديدة المستحقّة، ستزيد من الجهة الأخرى الضرائب والرسوم على المواطنين. وبالتالي تحميلهم بشكل غير مباشر عبء الـ 10 سنت الإضافية على الكيلوواط/ساعة، نتيجة تقصير الإدارات العامة في دفع الفواتير.
إحياء رميم الكهرباء
إذاً، لم تكتف وزارة الطاقة والمياه في خطة الطّوارئ الأخيرة باحتساب السعر النهائي للفاتورة المقوّمة بالدولار على سعر منصة صيرفة، إنما أضافت عليه 20 في المئة. ليتجاوز بذلك سعر صرف فاتورة الكهرباء سعر الصّرف الحر في السوق الموازية. واستمرت في وضع بدل التأهيل من دون مبرّر واضح وصريح. وحمّلت المواطنين كلفة عجز مؤسسات الدولة عن تسديد فواتيرها تحت تهديد احتساب الكيلوواط ساعة بـ 37 سنتاً. كل هذا "غيض من فيض" النوايا المبيّتة في خطة الكهرباء التي تدفع لتحميل المستهلكين الملتزمين من أفراد ومؤسسات ثمن الهدرين الفني وغير الفني المستشريين، واللذين تجاوزا 50 في المئة. أكثر من ذلك يرى بيضون أنّ "بدل التأهيل من دون تغذية، يؤمن للكهرباء مدخولاً ثابتاً ومستقرّا يغطي الهدر المستشري بها. والذي يتموضع في عقود الصيانة، والتشغيل، ومقدّمي الخدمات، وشراء قطع الغيار، وتسديد الالتزامات ورواتب المستخدمين".
باختصار أمّنت خطّة الطّوارئ للكهرباء آلاف مليارات الليرات سنوياً من دون أي تحفيز على الإنتاج. وهذه العقلية يبدو أنها موروثة من الحكم العثماني الذي كان يهب الأراضي ومشاعاتها للوكيل، مقابل حصول الباب العالي على خراجها، أي لمّ الأموال على شكل خوّات من القاطنين والمزارعين.