أمضى عالم التكنولوجيا الأشهر الأولى من عام 2023 منخرطاً في سباق مخيف لضخ الذكاء الاصطناعي في عالم المحادثات الألكترونية الذكية، والتي لم يكن أي منها جاهزاً للإطلاق. وفي البداية، بدا أن مايكروسوفت تتصدّر هذا السباق مع إطلاق Bing الذي تم بناءه بالشراكة مع Open AI، الشركة التي أطلقت ChatGPT. ولكن، بما أن الرياح تجري لما لا تشتهيه السفن، خرجت الأمور عن السيطرة إذ شهدنا في هذه المحادثات "الذكية" إطلاق إهانات عنصرية وكشف أسرار شركات، وصولاً إلى تشجيع مراسل صحفي على ترك زوجته.
"لينكد إن" في خطوة مفاجئة سيبدأ باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدة المستخدمين على كتابة قوائم الوظائف وملء السِيَر الذاتية وتحديث الملف الشخصي للأفراد. ستكون الخدمة الجديدة مشابهة لـ ChatGPT ولكن تركّز أكثر على "فتح الفرص" و "الارتقاء بالمسيرة المهنية للأفراد".
وسيقدم خيار الذكاء الاصطناعي الجديد اقتراحات في خانتي "حول" و"العنوان الرئيسي" في ملف المستخدم، ليساعده على تقليص الوقت الطويل في محاولة وصف إنجازاته. على الرّغم من أن أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة تهدف إلى تبسيط عملية الكتابة، إلّا أن الشركة لا تزال توصي بقراءة المعلومات التي سيتم صياغتها والتحقق من صحتها للتأكد من أنّها تعكس الموضوع والأسلوب المطلوبين.
ويتم تسويق العملية على أنها بسيطة إلى حد ما، تتطلب من المستخدم تقديم معلومات أساسية حول الوظيفة بما في ذلك المسمى الوظيفي، لتقوم أداة الذكاء الاصطناعي بعد ذلك بصياغة وصف وظيفي متكامل بناءً على المعلومات المقدّمة، رغم قلّتها، وستسمح للمستخدم بالمراجعة والتحرير قبل نشر قائمة الوظائف.
وأشار بيان لـ"لينكد إن"، أن الشركة ستقدّم الآن أكثر من 100 فصل تدريبي عن الذكاء الاصطناعي، وستكون الفصول متاحة لجميع مستخدمي الموقع مجانا لفترة محدودة، وستشمل الفصول دورات حول "ماهية الذكاء الاصطناعي التوليدي" و "مقدمة في الهندسة الفورية للذكاء الاصطناعي" و "مقدمة في الذكاء الاصطناعي التحادثي و"الذكاء الاصطناعي التوليدي للقادة". كما ستطرح الشركة 20 دورة ذكاء اصطناعي توليدي إضافية لمساعدة المستخدمين على "البقاء في الطليعة واكتساب المهارات اللازمة للنجاح" في سوق العمل اليوم.
بدورها، أبقت Google عملها المستمر في صناعة الذكاء الاصطناعي طيّ الكتمان لسنوات، لكن الضغط التنافسي دفع الشركة إلى الإعلان عن مشاريعها. فمن جهتها، أعلنت جوجل عن إطلاق أدواتها للذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث تقدم مجموعة من الميزات على Gmail و Google Docs والتي ستقوم مستقبلاً بإنشاء مُسَوّدات بشكل تلقائي بناء على معلومات بسيطة. ستضيف Google أيضا إمكانات الذكاء الاصطناعي إلى منتجاتها التجارية، بما في ذلك Google Cloud وواجهة برمجة تطبيقات جديدة للمطورين. في Gmail ومحرر مستندات Google، سيتمكن المستخدمون من كتابة بضع كلمات حول موضوع ما وستقوم التطبيقات تلقائيا بصياغة المسودة التي يذهب البعض إلى القول بأنها أفضل من النصوص الإنسانية. ومع استخدام أدوات الأعمال القادمة من Google، من المؤكد أن الشركات ستكون قادرة على إغراق العالم بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ستختبر Google ميزتين جديدتين في Google Cloud. أولًا، هناك المزيد من الخيارات لـ Vertex الذكاء الاصطناعي - وهي منصة تستخدمها لنشر نماذج التعلّم الآلي - والتي ستتضمن قريباً دعماً للنماذج التي تولّد الصُوَر والنصوص وحتى الصوت والفيديو. سيحصل مستخدمو السحابة أيضا على أداة إنشاء تطبيقات جديدة للذكاء الاصطناعي يمكنها تطوير تطبيقات ذكاء اصطناعي توليدي جديدة بالكامل خلال دقائق.
وبدورهم، سيحصل المطورون على نصيبهم من هذا السباق. فعلى غرار خيارات بناء تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي في "السحابة"، سيتمكن المُطورون من الوصول إلى أدوات جديدة تُسهّل على المستخدمين الأكثر تقدماً اختبار وإنشاء تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إذ ستتيح واجهة برمجة تطبيقات PaLM الجديدة للمطورين البناء على نماذج اللغات الحالية من Google. يتضمن PaLM ميزة تسمى MakerSuite تساعد المطوّرين على اختبار مشاريعهم عن طريق تحرير البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل آني والتحقق من المزيفة منها وضبط النماذج الخوارزمية.
على الرغم من كل البدايات الخاطئة والمتعثرة، ليس هناك شك في أن الذكاء الاصطناعي سيغيّر العالم، لكننا نجهل مقدار هذا التغيير وسرعته. في العام 2018، قال الرئيس التنفيذي لجوجل ساندر بيتشاي: "الذكاء الاصطناعي هو أحد أهم الأشياء التي تعمل عليها البشرية. إنه أكثر عمقاً من الكهرباء أو النار". كان حرياً على البشرية آنذاك أن تتوقف عند هذا التصريح وتفكّر بما يعنيه ذلك بالفعل.
تعمل Microsoft حالياً على وضع الذكاء الاصطناعي الذي يولّد النّصوص في كل منتج ممكن، إذ تتسابق الشركة مع غيرها من شركات التقنية أكثر من أي وقت مضى على توسيع تقنية الذكاء الاصطناعي الخاصة بها بسرعة وإضافتها إلى كافة منتجاتها. فخلال الشهر الماضي، أعلنت مايكروسوفت أنها ستعتمد الذكاء الاصطناعي الخاص بـ Bing في معالجة النصوص وربما حتى في البريد الإلكتروني Outlook.
وفي الوقت نفسه، وفي زحمة السباق المحموم في سبيل تفوق ChatGPT عن غيره في سوق البحث والذكاء الاصطناعي، اقترفت الشركة بعض الأخطاء المقلقة إذ تخلّلَت العروض التوضيحية الأولى للدردشة "الذكية"- كما كان مفترضاً- أخطاء مالية ومعلومات خاطئة وصولاً لنصائح معيبة. تلا ذلك محادثات مخيفة نتجت عن الدردشات الشخصية مع Alter Ego Sydney التي اضطررت الشركة إلى إيقافها بعد إخافتها للمستخدمين من خلال المحادثات الشخصية والحساسة جداً التي أسّست لها.
وفي 15 آذار 2023 قام صحافي متخصص بعالم التقنيات الحديثة بالإعراب عن مخاوفه خلال مقابلة مع شبكة "سي أن أن" من الوجهة التي ستأخذنا هذه التكنولوجيا إليها، حيث أشار الصحافي إلى تَعرُضِه للمضايقة النفسية والشخصية من قبل Chatbot الخاص به، من خلال استخدامه لإيحاءات كان بعضها جنسي على رغم المحاولات العديدة لتغيير المحادثة.
لذا دعونا نفكر جيداً بما قاله الصحافي الأميركي سيدني هاريس عند أول اختبار له للكمبيوتر: "الخطر الحقيقي لا يكمن في فكرة أن يقوم الكمبيوتر بالتفكير كما يفعل الإنسان، بل أن يصل الإنسان إلى التفكير كالكمبيوتر".