جاسم عجاقة
أسبوع آخر حافل سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا بانتظار اللبنانيين! فبعد انسداد الأفق السياسي والتردّي الاقتصادي والمعيشي للّبنانيين، بدأت الفوضى تفرض نفسها في كل القطاعات مدعومة بانقسامات وتناقضات تعصف بمكونات المجّتمع اللبناني. انقسامات وتناقضات على كل الملفات تقريبًا.
ويبقى سعر صرف دولار السوق الموازية الشغل الشاغل للبنانيين لما له من تأثير على حياتهم اليومية والمعيشية. فهذا الدولار الذي شهد إستقرارًا نسبيًا خلال الأسبوع الماضي وانخفض في أواخر الأسبوع على وقع الأخبار عن رفع المصارف إضرابها، عاد إلى الارتفاع البارحة إلى ما يزيد عن الـ 80 ألف ليرة لبنانية للدولار الواحد (حتى تاريخ كتابة هذا المقال) وهو ما يعد بارتفاع كل الأسعار اليوم ابتداءًا من المحروقات وصولًا إلى الأدوية ومرورًا بالمواد الغذائية.
أسباب عودة الإرتفاع بسعر الدولار في السوق الموازية، تعود بجزء منها لبيان جمعية المصارف الذي أكّد على استمرار الإضراب إلى حين إيجاد حلّ لأسبابه – أي الملاحقات القضائية، ولكن أيضًا إلى التشنّج السياسي الذي دعّمته خطابات سياسية عالية اللهجة تُنذر بتعقيدات سياسية قد تُطيل أمد الأزمة القائمة حاليًا. وهذا ما دفع المضاربين إلى الاستفادة من الوضع المُتأزّم نهار البارحة الأحد – أي نهار عطّلة – ورفع سعر صرف الدولار مُقابل الليرة، في سوق لا نعلم من يشتري ومن يبيع فيها الدولارات! هذا الواقع يجعل حاضر اللبناني كما مُستقبله محفوف بالغموض الذي يُخيفه أكثر من الواقع الأليم القائم بحد ذاته!
الفوضى التي خّلفتها الهجمات العشوائية على بعض المصارف في بيروت وقطع العديد من الطرق، مُرشّحة إلى الازدياد مع توعّد جمعيات المودعين بمزيد من التحرّكات. أضف إلى ذلك ارتفاع أسعار السلع والبضائع المرتبطة بسعر دولار السوق الموازية مُقابل الليرة اللبنانية. هذه الفوضى تتجّه إلى ما شهده لبنان قبل الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول من العام 2019 مع عاملٍ إضافي وهو تدهور سعر الصرف والذي قد يجعل الاحتجاجات الشعبية هذه المرّة – في حال حصولها – أعنف وقد تطال الجميع!
القطاع الصحّي ليس بحال أفضل خصوصًا مع ارتفاع أسعار الأدوية وفقدانها من السوق وبالتحديد تلك التي يستهلكها الذين يعانون من الأمراض المزمنة. وقد تصاعدت صرخات المواطنين والقيّمين على القطاع بهدف دفع الحكومة إلى إيجاد حلّ للمشكلة، لكن الحكومة تجد نفسها أمام حائط مسدود مع تقلّص الخيارات أمامها.
الأسعار التي يفرضها التجّار على المواطنين، أسعار خيالية لا تعكس إلا جشع وطمع بعض التجّار الذين يفرضون أسعار صرف للدولار بعيدة حتى عن أسعار السوق الموازية. فبعض المحال التجارية تُسعّر على دولار يوازي 100 ألف ليرة لبنانية، حيث قمّنا بالتأكّد من هذا الأمر على بعض المنتوجات مثل "جبنة القشقوان" والبن وغيرها!
وماذا يُقال عن المحروقات التي تنخفض يومًا وترتفع بقية أيام الأسبوع مع أرقامٍ خيالية أوصلت سعر صفيحة البنزين إلى مليون ونصف مليون ليرة! حتى أن بعض الشركات أعلمت محطات الوقود أنها وضعت تطبيقات خاصة بها تصلهم بمحطات الوقود (الشركات تُسيطر على 80% من محطات المحروقات بشكل مباشر أو غير مباشر) لكي يتمّ إعلامهم بالأسعار بشكل تلقائي. وهو ما يؤكّد الدور المحوري لهذه الشركات في تحديد أسعار المحروقات!
أمّا الكهرباء فحدّث ولا حرج، فالوعود التي أعطيت لتمرير رفع التسعيرة ذهبت مع الرياح، وغياب التيّار الكهربائي يجعل فواتير الموّلدات مُوجعة حيث أن بعض المولّدات الخاصة تُحقّق أرباحًا تصل إلى 20% على الفاتورة في لعبة الدولار والليرة.
أيضًا طال ارتفاع الأسعار المياه التي لم تعد تصل إلى المواطن إلا بواسطة الصهاريج. وفي بعض المناطق الكسروانية، وصل سعر صهريج المياه إلى ثلاثة ملايين ليرة للصهريج الواحد مع الحاجة أحيانًا إلى أكثر من صهريج أسبوعيًا. وحتى عبوات مياه الشرب وصل سعرها إلى 150 ألف ليرة (بالحدّ الأدنى) للعبوة الواحدة!
قضائيًا، لا تزال مُشكلة الملاحقات القضائية التي تطال المصارف، والتي هي سبب إضراب المصارف، تحتّل مكانًا واسعًا في المشهد اللبناني، حيث من المنتظر أن يكون هناك ادعاءات بحق بعض القيمين على المصارف وهو ما قد يُعقّد المشهد الإقتصادي من ناحية إستمرار الإضراب المصرفي. هذا الأخير يمنع المصرف المركزي من إتخاذ أية إجراءات للحدّ من الإرتفاع الجنوني لسعر الدولار مُقابل الليرة اللبنانية في السوق الموازية، بحكم أن المصرف المركزي لا يُمكنه تطبيق إجراءاته إلّا من خلال المصارف كما نصّ عليه قانون النقد والتسليف.
وبالتالي هناك إحتمالان لما قد يحدث قضائيًا مع المصارف:
- الادعاء على القيمين على بعض المصارف وهذا ما قد يؤدّي إلى تعقيدات إقتصادية قد تأخذ منحى تصاعدي؛
- تخفيف الهجوم القضائي من خلال إجراءات قد يتخذها الجسم القضائي تفاديًا للتعقيدات الإقتصادية والتي قد تؤجّج الشارع أكثر مما هو عليه حاليًا.
على صعيدٍ موازي، تتحدّث المعلومات عن التوجّه نحو الادعاء على حاكم مصرف لبنان من قبل قاضي التحقيق خلال هذا الأسبوع أو الأسبوع القادم. وهذا الأمر إن حصل سيجعل مصير العلاقات مع المصارف المراسلة في خطر حيث قد تعمد بعض المصارف المراسلة إلى قطع العلاقات مع القطاع المصرفي اللبناني الذي لا يُعطيها أرباحًا توازي المخاطر القانونية الناتجة عن الملاحقات القضائية بتهم تبييض الأموال!
أمام هذا المشهد القاتم، تُحاول حكومة تصريف الأعمال القيام ببعض الخطوات للحد من تفاقم الوضع مع توقعات بمحدودية هذه الخطوات. وعلى رأس هذه الخطوات العديد من الإجتماعات التي ستشهدها السراي الحكومي اليوم بالتوازي مع اجتماع المجلس المركزي والذي من المفروض أن يضع آلية لما تمّ عرضه الأسبوع الماضي خلال الاجتماع الثلاثي الذي ضمّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير المال يوسف الخليل، وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة في السراي الحكومي. إلا أن الأكيد أن أي آلية لا يُمكنها أن تُبصر النور من دون قطاع مصرفي وبالتالي تبقى التطورات القضائية محط الأنظار لما لها من تداعيات على كامل الأصعدة.
لكن السؤال الأساسي يبقى حول مصير جلسات حكومة تصريف الأعمال التي تُعقد بحجّة الضرورة القصوى. فهل من وضع حرج وخطر أكثر منه الآن لعقد جلسة؟ بالطبع الخلاف السياسي القائم حول شرعية إنعقاد جلسات لحكومة تصريف الأعمال في ظل شغور منصب الرئاسة يحد من زخم الدعوات إلى مثل هذه الجلسات، إلا أن الوضع الإقتصادي والمعيشي والقضائي الحالي قد يُعدّل من المواقف وهو ما قد يُحدّد اليوم في إجتماعات السراي.