جاسم عجاقة

يبدو أن الإقفال التام للمصارف إبتداءً من الأربعاء المُقبل قد يتمّ تأجيله بحسب مُعطيات الساعات الأخيرة. السبب وراء هذا التأجيل ضغوطات على القطاع المصرفي من قبل بعض السياسيين نظرًا إلى الضرر الهائل الذي قد ينتج عن وقف عمل المصارف. وتُشير المعلومات أن المعنيين طلبوا من المصارف تأجيل تنفيذ الإقفال التام إفساحاً في المجال أمام جلسة المجلس النيابي الخميس المُقبل لإقرار قانون الكابيتال كونترول.

مصادر في القطاع المصرفي فضلت عدم الكشف عن هويتها، قالت للـ "الصفا نيوز" إن الضغط المُتمثّل بالقرار القضائي ضدّ مصرف فرنسبنك والذي سحب من الشيك المصرفي صفته كوسيلة دفع رسمية، والقرار القضائي المُتمثّل بطلب رفع السرية المصرفية عن حسابات القيمين على سبعة مصارف بما فيها بعض الموظّفين، يدفع المصارف إلى الإعتقاد بأن بعض المسؤولين في الدولة يُريدون تحميل القطاع المصرفي مسؤولية الأزمة بالكامل إن من الناحية المالية عبر شطب رأسمالها أو من خلال ملاحقة المسؤولين في المصارف جزائيًا. وهذا الأمر بحسب المصادر هو أمر غير مقبول ع الـتشديد على أن المصارف لم تقل كلمتها الأخيرة بعد!

جلسة المجلس النيابي التي دعا إليها رئيس المجلس نهار الخميس المُقبل حيث يحلّ فيها قانون الكابيتال كونترول كبند أول على جدول الأعمال، قائمة بحكم تأمين النصاب لها، وإذا كان البعض يُشكّك بحصولها نظرًا للشكوك حول مشاركة التيار الوطني الحرّ، إلّا أنّ مصادر صحفية أكدّت أن الجلسة قائمة وأن النصاب مؤمّن. وبالتالي هناك سيناريوهان: الأول إقرار قانون الكابيتال كونترول بالأغلبية الموجودة، والثاني عدم إقرار قانون الكابيتال كونترول. وفي هذه الحالة قد تُنفّذ المصارف تهديدها بالإقفال التام.

سيناريو الإقفال التام هو سيناريو سيّء للمواطن اللبناني بالدرجة الأولى، حيث أن وقف خدمات المصارف ستشل الحياة الاقتصادية بالكامل مع وقف القدرة على الإستيراد ومعها القدرة على سحب الأموال من المصارف وهو ما سيؤدّي بدوره إلى إضطرابات إجتماعية قد تتطور إلى إشتباكات بالأسلحة كما حصل في الأسبوع الماضي في بيروت. هذا السيناريو سيترافق حكمًا مع إرتفاع دولار السوق الموازي الذي قد يشهد قفزات عالية في ظل غياب القطاع المصرفي، وهو ما سينعكس سلبًا على أسعار السلع والبضائع التي سترتفع حكمًا بالتزامن مع إحتكار من قبل التجار.

ولا ينتهي هذا السيناريو عند هذا الحدّ، فقد تأخذ الأمور أبعادًا أخرى تصعيدية تنفيذًا لما قالته المصادر المصرفية، حيث أن المصارف التي لم تقل كلمتها الأخيرة، قد تصل إلى مرحلة التعاون الكامل مع الوفود القضائية الأوروبية وهو ما قد يفتح الباب أمام ملاحقات لشخصيات سياسية نافذة في البلد مع ما لذلك من تداعيات على الشارع المُنقسم أصلاً. أمّا من جهة المعارضين للمصارف، فقد نشهد رفع وتيرة الإحتجاجات ضدها كما وتفعيل الملاحقات القضائية بحق القيّمين عليها.

على كل الأحوال، القرارات القضائية بحقّ القطاع المصرفي (بغضّ النظر عن أحقيتها أم عدم أحقيتها) تدفع بإتجاه تعجيل إقرار القوانين المالية بأسرع وقت تفاديًا لأسوأ سيناريوهات قد تطال المودعين بالدرجة الأولى، ولكن شظاياها قد تطال أيضًا القطاع المصرفي وحتى بعض السياسيين.

على صعيد أخر، هناك مخاوف جمّة من فلتان سعر صرف الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية في السوق الموازي مع ما له من تداعيات على ارتفاع أسعار السلع والبضائع وإستطرادًا القدرة الشرائية للمواطن اللبناني. وبحسب التقديرات الإحصائية، فإن سعر صرف الدولار مُستمرٌ في منحاه التصاعدي (إنظر إلى الخط الأحمر على الرسم). إلّا أن المخاوف الأساسية تأتي من تسريع بهذا المُنحنى التصاعدي مع قفزات عالية في حال كان هناك صدمات سلبية مثل الإقفال التام للمصارف.

[caption id="attachment_4256" align="aligncenter" width="1024"] توقعات سعر صرف الدولارمقابل الليرة[/caption]

على صعيدٍ آخر، يقترب لبنان من الذكرى الثالثة لوقف دفع سندات اليوروبوندز وبدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي من دون أن يكون لهذا التفاوض من خاتمة سعيدة على صعيد وقف الإنهيار. فلبنان لا يزال يحتاج إلى أربعة قوانين جوهرية لإستمرار عملية التفاوض هذه: قانون الكابيتال كونترول، قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، قانون التعافي المالي، وقانون موازنة العام 2023، وهي القوانين التي يعتبرها صندوق النقد الدولي جوهرية قبل إستعادة التفاوض. بالطبع غياب التوافق على إسم مرشّح لرئاسة الجمهورية والإنقسام في المجلس النيابي يجعلان من إقرار هذه القوانين أمرًا صعبًا خصوصًا أن الشروط الدولية تفرض شقاً سياسياً غير مُعلن ألا وهو رئيس جمهورية وحكومة يستطيعان النّأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية، وهو أمر غير مُتوفّر حاليًا.

هناك مخاوف من نقطتين أساسيتين: الأولى رغبة باطنة لدى البعض بإقفال الملفّ المالي على حساب المودعين، والثانية إستمرار ارتفاع الدولار مُقابل الليرة اللبنانية في ظل تآكل القدرة الشرائية والتوجّه نحو الدوّلرة الشاملة للإقتصاد. هاتين النقطتين هما مصدر قلق كبير على الاقتصاد وعلى المواطن وقد يكون حصولهما مدخل لطريق لا عودة منه.

بالنسبة للنقطة الأولى، حقوق المودعين مُقدّسة وتوقعاتنا بالنسبة لحجم الثروة الغازية الكبيرة التي يمتلكها لبنان تسمح للدوّلة بردّ ودائع الناس وبالتالي كل المطلوب هو القيام بإصلاحات إقتصادية (شرط أساسي من المجتمع الدولي للإستفادة من الثروة الغازية) تسمح بإعادة هيكلة الاقتصاد وإعادة الثقة المفقودة من قبل المستثمرين. أمّا بالنسبة للنقطة الثانية، فلحجم الثروة الغازية تداعيات إيجابية على الثقة بالعملة الوطنية حيث أن لدخول العملة الصعبة إلى القطاع المصرفي بعد إعادة هيكلته، دور كبير في عملية إستعادة الثقة بالليرة اللبنانية ووقف الإنهيار الذي تتعرّض له كل يوم. وإذا كان البعض يظنّ أن الثروة الغازية ستستغرق وقتًا قبل أن تدر مالًا على لبنان (وهو أمر صحيح)، إلا أن توقيع إتفاق مع صندوق النقد الدولي يسمح للبنان بالإستفادة من قرض من الصندوق بالإضافة إلى دعم عربي ودولي على صعيد الإستثمارات وهو ما سيسمح بدوره للبنان بالصمود بانتظار بدء الإستفادة من الثروة الغازية.

بالطبع كل هذا مرهون بإجراء عمليات إصلاحية على الصعيد الاقتصادي والمالي والنقدي وعلى صعيد القطاع العام. من هنا نرى أنه لا حلول إقتصادية للمواطن إلا من خلال إجراء الإصلاحات وعلى رأسها القوانين الأربع الآنفة الذكر يتقدمها قانون الكابيتال كونترول الذي سيخضع للامتحان نهار الخميس القادم، فهل ينجح في تخطّي إمتحان المجلس النيابي؟ الجواب الخميس المقبل.