جاسم عجاقة

صنّف البنك الدولي الأزمة الإقتصادية في لبنان من أكثر ثلاثة أزمات سوءًا منذ قرن ونصف القرن. هذا التصنيف يهدف بدون أدّنى شكّ إلى إظهار مستوى التحدّيات التي تواجه السلطات اللبنانية في مواجهة هذه الأزمة ولكن أيضًا لإظهار حجم القرارات الواجب إتخاذها من قبل الحكومة اللبنانية ومن خلفها المجلس النيابي.

كل برنامج مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، يجب أن يحترم ثلاث مبادئ: المبدأ الأول ينص على الإنفتاح على التجارة العالمية بأبعادها الإستثمارية والتجارية؛ المبدأ الثاني ينصّ على ترك حرية تحديد سعر الفائدة للسوق من خلال آلية العرض والطلب وعدم التدخل إلا ضمن إطار السياسات النقدية المتعارف عليها أي الفائدة على المدى القصير؛ والمبدأ الثالث ينصّ على خروج الحكومات من المجال الإقتصادي بالكامل وتركه للقطاع الخاص مع الإحتفاظ بدور الرقابة والتشريع والتنظيم التي تنص عليها النظرية الإقتصادية من خلال الهيئات الناظمة.

قام الإقتصادي الأميركي James Williamson بجمع الإجراءات الهيكلية التي يشترطها صندوق النقد الدولي من أجل مُساعدة الدول في أزمة مالية – إقتصادية في نصّ سمّاه "إجماع واشنطن". هذه الإجراءات تحوي على ثلاثة مبادئ هي: التحرير، والخصخصة، وإلغاء الضوابط ويُمكن تلخصيها في الإجراءات التالية:

- القيام بإجراءات مالية للوصول إلى عجز موازنة أقلّ من ٢٪ من الناتج المحلّي الإجمالي؛

- توجيه الإنفاق العام نحو الأنشطة التي تعد مصدراً للعوامل الإيجابية مثل الصحة والتعليم والبنى التحتية؛

- خفض الضرائب وذلك بهدف إستقطاب الإستثمارات وتخفيف العبء عن المقيمين مع ضرورة الدوزنة مع البند الأول؛

- ترك السوق يُحدّد أسعار الفائدة بحسب مبدأ العرض والطلب وبالتالي منع أي تدخل من خارج آليات السوق؛

- إعتماد سعر صرف حرّ أو مرن في أقل تدبير وترك السوق يُحدّد هذا السعر بحسب آلية العرض والطلب؛

- إزالة كل الإجراءات الحمائية والتي تُشكّل عائقاً أمام التبادل التجاري العالمي؛

- الانفتاح على الاستثمار الأجنبي المباشر بهدف تعظيم حجم الإقتصاد وزيادة الرخاء للمواطن؛

- إعتماد الخصخصة وذلك بهدف تقليص عجز الموازنة وزيادة الثقة بآليات السوق؛

- تحرير السوق بالكامل من أية قيود وتشكيل هيئات ناظمة قطاعية لتأمين هذه الغاية؛

- ضمان حقوق الملكية الخاصة وهو أمر حيوي بالنسبة لكل النقاط السابقة.

وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى أن هذه الشروط مبنية على التسليم بأن الوضع الاقتصادي في هذه البلدان يتميز بأمرين:

الأول – هو طلب الدولة الصادق في الخروج من الأزمة؛

الثاني – وجود دولة فاعلة ذات نظرة مستقبلية قادرة على تطبيق القوانين وبسط سيطرتها على رعاياها تحت مظلة قوانين نافذة وعادلة.

النظر إلى هذه الشروط يقودنا إلى التساؤل عن قدرة السلطة السياسية على القيام بهذه الإصلاحات. فالنهج المُعتمد إلى الآن في إدارة الشؤون المالية والإقتصادية للدولة هو نهج أثبت فشله وأبرز معالم هذا الفشل الوضع الذي أوصلنا إليه. وبالتالي النتائج السلبية لهذا النهج إنعكست على كل الأصعدة، إقتصاديًا وماليًا ونقديًا وإجتماعيًا وصحيًا وتربويًا وبيئيًا. أضف إلى ذلك أن الحوكمة الإقتصادية والإجتماعية في لبنان خاضعة للحسابات السياسية بشكل حصري، والصراع بين القوى السياسية أدّى إلى تعطيل أو تجميد تنفيذ آلاف المشاريع التي كانت لتعود بالخير على الإقتصاد خاصة وعلى المواطن عامة.

تصريحات المُجتمع الدولي بخصوص لبنان تُشير إلى أن المُجتمع الدولي ربط أي مساعدة للبنان من أي نوع كانت (قروض، إستثمارات، هبات، وحتى الإستفادة من الغاز والنفط) بتوقيع لبنان على برنامج مع صندوق النقد الدولي والقيام بإصلاحات بالإضافة إلى بعض التعديلات في التموضع السياسي اللبناني.

وهنا يُطرح السؤال: هل ستتتمكن السلطات الرسمية في لبنان من القيام بما هو مطلوب منها؟ الجواب الأول الذي يخطر على بال كل مواطن لبناني هو "كلا"! والسبب يعود إلى الأداء التاريخي لهذه السلطات والقائم على المحاصصات.

من هذا المُنطلق نرى أن لبنان عالق بين فكيّ كمّاشة شروط الصندوق والتخبط السياسي الداخلي. وبالتالي من المُستبعد الخروج من الأزمة في المدى المنظور أللهم إلا إذا كان هناك من مُعطيات خارجية تُعدّل من موازين القوى الداخلية وتفرض الحلول من الخارج.