لا يمكن فصل الأجواء التفاؤلية الحذرة على صعيد صفقة الرهائن الإسرائيليين لدى حركة "حماس" في قطاع غزة، عن مؤشّرات برزت في الفترة الأخيرة لا تعمل لصالح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو.

تلقّى الأخير رسالة سلبية في ما يتعلق بحرب غزة عموماً، وقضية الرهائن خصوصاً، خلال زيارته المحبِطة للبيت الأبيض ولقائه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.

خيبة الأمل في الزيارة برزت في توصيف الإعلام الإسرائيلي نفسه الذي نعتَها بالفاشلة، ليس على صعيد الحرب فقط، بل في قضايا اخرى بالغة الأهمية بالنسبة لحكومة نتنياهو، وعلى رأسها الموضوع الإيراني والعلاقة مع تركيا وحتى الرسوم الأميركية، التي تلقى عليها كلها إجابات سلبية في زيارة جاءت على عجل اعتقد رئيس الحكومة الإسرائيلية معها أنه كان قاب قوسين أو أدنى من إجابات إيجابية.

على صعيد غزة والداخل الإسرائيلي، لا يزال نتنياهو صامداً في وجه الموجة الداخلية التي يأمل عدم تراكمها ضده ككرة الثلج. لكنه يحتفظ بقوته النسبية حتى اللحظة بتأييد كتلة شعبية ونيابية وسياسية، ما جعله يصف آلاف الضباط الذين وقّعوا عريضة وقف الحرب بأنهم "عشب ضار يتعيّن التخلص منه"، مطلقاَ مع بعض حلفائه تهديدات ووعيداً تجاههم.

لكنّ تلك العرائض المتنقلة المطالبة عملياً بإنهاء الحرب، والتي تتّسع في صفوف الجيش بتشكيلاته المتنوعة، وتمتدّ إلى أجهزة الأمن والاستخبارات وتشمل موظفين حاليين وسابقين، جاءت لتعزّز المعارضة الشعبية والسياسية الساعية إلى إسقاطه.

وبما ان نتنياهو لن يخضع، فإنه قد يخوض المواجهة مع هؤلاء حتى النهاية لطردهم من مؤسساتهم، في سلوك مستمر للبقاء في السلطة عبر شراء الوقت من ناحية، وتصعيد حربه الخارجية كما في غزة من ناحية مقابلة.

هنا ثمةُ سؤال كبير يطرح أمامه: إلى متى يستطيع الاستمرار في سياسته تلك وخصوصاً أنه دخل في مواجهة مع الدولة العميقة؟

من الواضح أن الوقت ليس لصالحه. فالحرب، رغم أنه أعاد احتلال نحو ثلث قطاع غزة، باتت بلا أفق وحتى عبثية. وهو ما يعزّز تمرُّد رافضيها في الداخل على تنوُّع مشاربهم.

ولعلّ نتنياهو يعمّق من فجواته تلك عبر محاولته تضليل الداخل الذي يطالبه بالشفافية وإيضاح طبيعة استراتيجته أمام الجميع.

فالحرب لم تقضِ على حركة "حماس"، ولو أنهكتها وأثارت معارضة لها داخل قطاع غزة. فهي لا تزال تستخدم حوالي 75 في المئة من الأنفاق، وحفرت أنفاقا جديدة في أوج الحرب عليها. ويتداول الإسرائيليون بتهكّم تأكيد رئيس الأركان، إيال زامير، عن نيته تدمير "لواء رفح" الحمساوي، وقد قيل إن تلك المهمة أُنجِزت قبل أكثر من ستة أشهر.. وهذا لا يؤدي إلى سوى تآكل ثقة الجمهور في الجيش... بعد نتنياهو.

في كل الأحوال ليس متوقعا أن تؤدي الحرب الجديدة إلى عودة الرهائن الذين لم يعودوا بغالبيتهم الساحقة سابقا سوى عبر المفاوضات.

لكن مشكلة نتنياهو وهي من صنع نفسه، أنه لا يضع أهدافاً واضحة أو جدولاً زمنياً، ويريد حرباً إلى ما لا نهاية في سبيل "نصر كامل" (أعلن انه حققه قبل عام) لظروفه الشخصية والداخلية، وهو ما لم يوافقْه عليه ترامب.

توقف الحديث عن إصلاح البيت الفلسطيني الداخلي

بذلك، تستطيع الحكومة الإسرائيلية الاستمرار في الصمود، ولو مرحلياً، لكنها ستزيد من الشرخ الداخلي، بخاصة إذا توفّي مزيد من الرهائن الذين بقي منهم 24 رهينة على قيد الحياة من 59 رهينة مع "حماس".

وإذا كان من غير المرجح أن يحظى نتنياهو بالثقة مجدداً رغم كل انجازاته العسكرية الخارجية، بعد كارثة 7 أكتوبر، فهو اليوم أمام تحدي إيجاد تسوية ما للموضوع وسط تلك المؤشرات التي لا تعمل لصالحه. ويضغط ترامب ومبعوثه، ستيف ويتكوف، لتعويم الوساطة المصرية والتوصل إلى هدنة بضمانات. وسيعتمد الكثير هنا على الضغط الأميركي على نتنياهو، وما إذا كان ترامب يريد تسوية الأمور قبيل زيارته للمنطقة في شهر أيار المقبل.

تساعد في ذلك بعض الليونة الحمساوية في موضوع الرهائن، خصوصاً الأحياء منهم (الذين يضغط نتنياهو ليصلوا إلى عشرة)، لكن مع عدم انتزاع ورقة الرهائن من يدها كون عددهم، الضئيل اصلاً، يجعل الأوراق التفاوضية للحركة محدودة جدّاً، ما يتطلب منها العمل على المساومة عليهم حتى الرمق الأخير.

توقف الحوار الفلسطيني في القاهرة

أما المصريون فيسعون لتقديم رؤية للأميركيين تتعلق بتسوية ما بعد الحرب، أي ما بعد الهدنة التي يُعمل عليها وهو الأمر الذي يرتبط بقبول "حماس" بالحل المنشود. بكلام آخر يتعلق الموضوع هنا بحكم قطاع غزة مستقبلاً وموقع الحركة فيه. وتولي القاهرة أهمية كبرى لهذا الموضوع كونها تعُدُ غزة جزءا من أمنها القومي. وهي ترفض، كالجميع في المنطقة، مشاركة علنية لـ"حماس" في السلطة المأمولة.

النقطة السلبية هنا تتمثل في توقف الحديث عن إصلاح البيت الفلسطيني الداخلي، وفي القاهرة بالذات بعد جهود بُذلت على هذا الصعيد.

فقد تركز الأمر ماضياً على إصلاح ذات البين بين السلطة الفلسطينية، أي حركة "فتح"، و"حماس"، في شكل أساسي، بما يمهّد لترتيبات مع الفصائل الأخرى. ويشمل الحل المنشود دمج الجميع في "منظمة التحرير الفلسطينية" ثم في تركيبة السلطة. وتوقُّف المفاوضات اليوم يدل على تشدُّد موقف "حماس" المتعلق بالعودة إلى الصفوف الخلفية الذي وافقت عليه مبدئياً سابقاً، بينما تتوسع رقعة الخلاف مع السلطة على خلفية تحميل الأخيرة للحركة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.