في الثامن من آذار من كل عام، تحتفل النساء حول العالم بيومهن العالمي، ليس باعتباره مناسبة احتفالية فقط، بل تذكيرٌ بالنضال الذي لا يزالُ مستمرًا لتحقيق المساواة والعدالة بين الجنسين. إنه يوم يحمل في طياته قصصًا من المعاناة والكفاح، ولكنه أيضًا يومٌ للأمل والتغيير.
تحديات النساء في العالم والمجتمعات العربية
في كل ركنٍ من أركان هذا العالم، تواجه النساءُ تحدياتٍ لا حصرَ لها. من العنف الأسري والتمييز في أماكن العمل، إلى القوانين المجحفة والتقاليد التي تكبل أحلامهنّ. في بعض الدول، لا تزال الفتيات محرومات من التعليم، والنساء يُجبرن على الزواج المبكر، الختان، أو ترك العمل، ويُحجمن عن اتخاذ القرارات المصيرية لحياتهنّ. وفي عالمنا العربي، ورغم التقدم الذي تحقق، إلا أن العديد من النساء ما زلن يواجهن معركة طويلة ضد العقلية الذكورية التي تقصيهنّ من مواقع صنع القرار وتحاصرُهنّ داخل أدوار تقليدية.
المرأة في لبنان: حقوقٌ ناقصة وقوانين مجحفة
لبنان، البلد الذي لطالما تغنّى بالحرية والانفتاح، ما زال يعاني من قوانين لا تعكس روح العدالة والمساواة. أبرز هذه القوانين هو قانون الأحوال الشخصية الذي يُدار وفقًا للطوائف الدينية، ما يجعل المرأة رهينةَ قراراتِ رجال الدين الذين يحكمون في الزواج، الطلاق، حضانة الأطفال، والميراث، دون أي مراعاة لمبادئ المساواة بين الجنسين.
أما فيما يتعلق بحماية النساء من العنف، فإن القوانين اللبنانية تعاني من ثغراتٍ كبيرة. على سبيل المثال، المادة 503 من قانون العقوبات تجرّم الاغتصاب لكنها لا تعترف بالاغتصاب الزوجي، وكأن للزوج الحق المطلق في جسد زوجته. المادة 522، التي ألغيت جزئيًا، كانت تسمح بإسقاط العقوبة عن المغتصب إذا تزوج من الضحية، مما كان يشكل وصمةَ عارٍ على العدالة. التحرش الجنسي أيضًا لم يُجرّم بوضوح حتى عام 2020، ورغم ذلك فإن العقوبات ما زالت غير رادعة، وتواجه النساء صعوبة في إثبات تعرضهنّ للتحرش أو الاعتداء.
المرأة والسياسة: الغياب عن مواقع صنع القرار
عندما ننظر إلى نسبة مشاركة النساء في السياسة اللبنانية، نجد أرقامًا صادمة. في بلد يتمتع ببيئة ديمقراطية نسبياً، لا تزال النساء غير ممثلات بالشكل الكافي في البرلمان والحكومة، ويعود ذلك إلى العقلية الذكورية السائدة وغياب قوانين تُلزم بتمثيلٍ نسائيٍ عادلٍ. لهذا، يبقى إقرار الكوتا النسائية ضرورة ملحة لضمان مشاركة النساء في مراكز القرار، فمن غير المنطقي أن تُدار البلاد بأفكار وتوجهات ذكورية فقط.
حقوق المرأة: الجنسية، العمل، الحرية الشخصية
لا تزال المرأة اللبنانية محرومة من حق أساسي وهو إعطاء جنسيتها لأطفالها، بينما يتمتع الرجل بهذا الحق دون أي عوائق. في سوق العمل، تعاني النساء من فجوة الأجور بين الجنسين، حيث تتقاضى النساء رواتب أقل من الرجال حتى عند القيام بنفس المهام. أما فيما يتعلق بالحريات الشخصية، فهناك معارك مستمرة حول حق المرأة في اختيار ملابسها، وحريتها في اتخاذ قراراتها الشخصية، بما في ذلك الحق في حياة جنسية قائمة على المساواة والرضا.
تمكين المرأة في الدول العربية: خطوات نحو التغيير
ورغم كل هذه التحديات، فإن بعض الدول العربية بدأت في اتخاذ خطوات جدية نحو تمكين المرأة. في السعودية، شهدت السنوات الأخيرة تحولاتٍ كبيرة مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة، وتوسيع فرصها في سوق العمل، وتعزيز حضورها في المناصب القيادية. أما في الإمارات، فقد أصبحت المرأة شريكًا حقيقيًا في التنمية، حيث تتبوأ مناصب قيادية في الحكومة والقطاع الخاص، مما جعلها نموذجًا عربيًا يُحتذى به في تمكين النساء.
دور الجمعيات في لبنان: نضالً مستمر
في لبنان، تلعب الجمعيات النسوية دورًا رئيسيًا في الدفاع عن حقوق النساء ومواجهة القوانين المجحفة. تعمل هذه الجمعيات على رفع الوعي المجتمعي، وتقديم الدعم القانوني والنفسي للنساء المعنفات، والضغط على الدولة لإصلاح القوانين. ولكن، رغم جهودهن، لا يزال الطريقُ طويلًا، خاصة مع ضعف الإرادة السياسية في إحداث تغييراتٍ جوهرية.
رسالة إلى كل امرأة
في يومك العالمي، تذكري أنك لستِ وحدكِ. نضال النساءِ في كل بقاع الأرض مرتبطٌ ببعضه، وكل خطوة تخطينها نحو حقوقك تفتحُ الباب لغيرك. أنتِ تستحقين حياةً عادلة، تستحقين أن تكوني شريكةً في القرار، أن تعيشي دون خوف، أن تحلمي وتحققي، أن ترفضي أن تكوني مواطنةً من الدرجة الثانية. استمري في النضال، فأنتِ تستحقين كل الحقوق، بلا نقصان.
كل عامٍ وأنتِ أقوى، أجرأ، وأقرب إلى العدالة التي تستحقينها.