مرَّ القطاع العقاري في لبنان منذ سنوات بتحديات كبيرة كان لها تأثيرات سلبية على استقراره ونموه. تصدَّرت هذه التحديات الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على مختلف القطاعات، وخصوصًا القطاع العقاري الذي يعَدُّ أحد الأركان الأساسية للاقتصاد اللبناني. ومن أبرز هذه التحديات كان إغلاق الدوائر العقارية في لبنان، والتي توقّفت توقفًا شبه كامل بسبب تجميد الموظفين لعملهم نتيجة الرواتب المتدنية والوضع الاقتصادي المتردي الذي يعصف بالبلاد. كان هذا التوقف قد تسبب في تعقيد الإجراءات الإدارية للعقارات، حيث توقَّف تنفيذ المعاملات العقارية ، ما أدى إلى تراكم المعاملات العالقة وزيادة معاناة المواطنين والمستثمرين على حد سواء.
لكن رغم هذه التحديات الكبيرة، بدأت علامات التحسن في الظهور مؤخرًا، مع الإشارات الإيجابية التي تؤكد على عودة النشاط في القطاع العقاري. في هذا السياق، أطلقت نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان (REAL) مبادرة جديدة بعنوان "The REAL - Real Estate Meetup Lunch"، التي تهدف إلى تعزيز التواصل بين الأعضاء وإطلاعهم على بكل جديد في القطاع العقاري. وقد حضر هذا اللقاء العديدُ من الشخصيات البارزة في القطاع العقاري، من بينهم رئيس مجلس إدارة مصرف الإسكان ومدير عام وزارة المالية – دائرة الشؤون العقارية والمساحة، السيد جورج معراوي، الذي تحدث عن التحديثات الضريبية الجديدة التي ستؤثر على القطاع، وكذلك عن الوضع الراهن للنظام العقاري ونظام المساحة في لبنان.
وقد تناول معراوي في مداخلته التطورات التي تحققت في الفترة الأخيرة في ما يتعلق بإعادة تفعيل الدوائر العقارية، مؤكدًا أن هذه الدوائر ستعود قريبًا إلى عملها الطبيعي، وستنجَز جميع المعاملات العالقة التي تأثرت جراء التوقف.
على الرغم من التحديات السابقة، فإن القطاع العقاري في لبنان يشهد نقلة نوعية نحو الأفضل، حيث أن الاستقرار الأمني والسياسي الذي يُعتبر شرطًا أساسيًا لعودة هذا القطاع إلى مساره الصحيح، قد بدأ بالتبلور تدريجيًا. وهناك أيضًا تحركات قانونية لتطوير مهنة الوساطة العقارية وتنظيمها بشكل أكثر شفافية، بحسب ما كشف نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين، وليد موسى، في حديثه لموقع "الصفا نيوز"، وقد شدد موسى على "ضرورة تحسين البيئة التشريعية للقطاع العقاري لضمان حماية السوق من العشوائية والتلاعب، بهدف زيادة الثقة في السوق العقاري وتعزيز فرص الاستثمار في لبنان".
ولفت إلى أنّ "العمل في الدوائر العقارية قد يعود بعد شهرين كحد أقصى، بعد اتخاذ القرار بإحالة موظفين من وزارة التربية إلى الدائرة العقارية في وزارة المالية ، في ظلّ عدم امكانية التوظيف في الدولة اللبنانية، وبعد إحالة الموظفين، سيخضعون إلى تدريب لنحو أسبوعين، وعندها ينتظم العمل".
ولم ينكر موسى وجود معاملات عالقة، إلا أنّ "لا أرقام دقيقة حول عددها، فيما هناك أرقام تقريبية تشير إلى وجود 50 ألف معاملة بين المسجّلة والعالقة".
واعتبر أنّ "المكننة اليوم، تعَدُّ أهم وأكبر مشروع في القطاع العقاري ، وأول خطوات المكننة تبدأ بالربط بين كتّاب العدل والدوائر العقارية، الذي سيسهم بشكل كبير في تسهيل المعاملات وتقليل الإجراءات المعقّدة. فمن خلال هذا المشروع، لن يكون من الضروري أن يذهب الشخص إلى الدوائر العقارية لإتمام المعاملات، بل سيتمكن من إتمام عقد البيع عبر كتّاب العدل، مع دفع جميع الرسوم إلكترونيًا، وبالتالي سيتم نقل الملكية مباشرة عند تسجيل العقد بفضل الربط الإلكتروني بين كتاّب العدل والوزارة. وسيتلقّى صاحب المعاملة إشعارا بتسجيلها، وسيتم تنفيذها مباشرة".
وعن مصير الأشخاص الذين وقّعوا عقودا ولم يتمكنوا من تسجيلها بسبب اقفال الدوائر العقارية، أشار موسى إلى قرار تطبيق سعر صيرفة بتاريخ توقيع العقد عند كاتب العدل، لدفع الرسوم.
ورأى نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين، أننا "دخلنا اليوم مرحلة جديدة في القطاع العقاري، مرحلة إيجابية، مرحلة الأمل في قطاع عقاري مزدهر.
وتوجّه برسالة إلى أصحاب العقارات طالبا منهم عدم رفع الأسعار، لكون هذه الخطوة قد تضر بالقطاع العقاري، وتهشّل المستثمرين، فهؤلاء يواجهون تحديات تتعلق بالأمن والاستقرار، ويحتاجون إلى بيئة آمنة ومستقرة للقيام باستثماراتهم. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري توفير التمويل للمطوّرين العقاريين الذين يعملون في الأراضي، حيث أن المشاريع العقارية في جميع أنحاء العالم يتم تمويلها عبر المصاريف والتمويلات المناسبة. كما أنّ حماية القطاع العقاري تُعدُّ أمرًا أساسيًا، وهذا يتحقق من خلال توفير الظروف الملائمة للاستثمار، مثل الاستقرار الأمني والسياسي، بالإضافة إلى إعادة تفعيل القطاع المصرفي. الأهم من ذلك، هو ضرورة وجود قوانين لتنظيم المهن العقارية وهذه النقطة أساسية جدًا."
إنَّ العودة التدريجية للدوائر العقارية إلى عملها الطبيعي، والإصلاحات القانونية والضريبية، والمبادرات المستمرة من نقابة الوسطاء العقاريين، تشكل أساسًا قويًا لبناء بيئة عقارية أكثر استقرارًا وشفافية. وفي ظل هذه التحولات الإيجابية، يبدو أن القطاع العقاري اللبناني على أعتاب مرحلة جديدة من النمو والازدهار، ما يبشر بمستقبل أكثر إشراقًا.
يبقى الأمل في أن تكتمل الصورة مع استقرار سياسي واقتصادي مستدام، مما يضمن أن القطاع العقاري سيعود ليكون محركًا رئيسيًا للاقتصاد اللبناني في المرحلة المقبلة.