في ضوء قساوة الحدَث وما ارتكبته إسرائيل في غزة خصوصًا والأراضي الفلسطينية عمومًا، ما الذي ينتظر إسرائيل؟ وأي طريق ستسلك؟ هل تختار طريق الشفاء من مرض العدوان والعنف أم تصرّ على البقاء في جحيم دائم؟ وسواء اختارت إسرائيل هذا الطريق أو ذاك، فهي ضامنة تأييدَ الرئيس دونالد ترامب الذي دعا مصر والأردن إلى استقبال مزيد من أهالي غزّة. مصر والأردن وقّعتا اتفاق سلام مع إسرائيل ولهما معها علاقات طبيعية -- على الورق. والولايات المتحدة تريد أن "تمون" عليهما لاستقبال "أبناء جلدتهم" الذين شرّدتهم إسرائيل ودمّرت بيوتهم. وقد تقصر مدة استقبالهم أو تطول "لأن غزة تحتاج إلى إعادة إعمار وعوامل الطبيعة قاسية على المشرّدين".
معروفة "غيرة" ترامب على غزة وأهلها. وهو أفصح عن تصوّره لإعادة بناءها على شاكلة إمارة موناكو، على ما نشر موقع "بوليتيكو" في الثامن من تشرين الأول الماضي. وأعاد ترامب إطلاق الفكرة مباشرة وهو يهمّ بدخول الطائرة الرئاسية قبل أيام.
هذا السيناريو جاهز على الورق. وكان ترامب قد طلب من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل نحو شهرين أن "ينهي ما عليه أن يفعل" قبل أن يبدأ ولايته الرئاسية الثانية. ماذا كانت مهمّة نتنياهو؟ الاعتقاد السائد هو إفراغ غزّة من أهاليها.
لكنّ السؤال الأساسي اليوم هو: أيّ إسرائيل ستنجز هذه المهمة؟ الوضع الداخلي في إسرائيل لا يحسدها عليه أحد. فالرقابة العسكرية تكبس على أنفاس وسائل الإعلام ولا يمكن معرفة الوقائع إلا من خلال الاستنتاجات المستقاة من أخبار بعض القنوات التلفزيونية وبرامج الحوارات التي تبثها، خصوصا على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
اقتحم ترامب الشرق الأوسط بمجموعة من المطالب الاقتصادية والمالية مستهدفاً القدرات المالية لدول الخليج العربية وبدا في طلباته غير جاهز لاستيعاب الفرق بين شعب اغتُصِبت أرضه وسُرِقت حقوقه وأخر اغتنى على سلب حقوق الآخرين
تظهر آخر الاستطلاعات أن 60% من الإسرائيليين يعتقدون أن على نتنياهو التخلي عن السلطة. ومن يريدونه أن يبقى لا يتجاوزون 25%. وقد تكوّن هذا الرأي السلبي تجاه نتنياهو بعد هجوم حماس في السابع من تشرين الأول 2023 واحتجاز عشرات الرهائن الإسرائيليين وكسر صورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. والإسرائيليون لا يميّزون في المسؤولية بين مستوى سياسي ومستوى أمني وجيش وشرطة ومخابرات. فهؤلاء كلهم في نظر الشعب الإسرائيلي "حكومة" ونتنياهو رئيسها وهو المسؤول.
ونعود إلى قضية "إنجاز العمل" وهذا يفرض أن يكون نتنياهو في الحكم وقوياً وأن يكون شعبه يريد الحرب. إلا أن نظرة سريعة إلى الوضع الداخلي الإسرائيلي تظهر أن ثلث الشعب الإسرائيلي يريد استمرار الحرب فيما يطبع التوترالعلاقات بين أعضاء الحكومة التي يهدّد المتشدّدون بإسقاطها.
وقد أدى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل إطلاق الرهائن الإسرائيلية والأسرى الفلسطينيين إلى إضعاف احتمال استمرار الحرب. فهل يستطيع ترامب إقناع الإسرائيليين باستكمال تسوية غزة بالأرض أم أن عليه أن ينجز المهمّة بأسلوبه الغليظ؟
اقتحم ترامب الشرق الأوسط بمجموعة من المطالب الاقتصادية والمالية مستهدفاً القدرات المالية لدول الخليج العربية وبدا في طلباته غير جاهز لاستيعاب الفرق بين شعب اغتُصِبت أرضه وسُرِقت حقوقه وأخر اغتنى على سلب حقوق الآخرين.