لازم مطلب الإصلاح العهود الرئاسية والحكومات منذ حرب السنتين وامتدادها إلى 1990، ومن ثم كل العهود إلى الآن بدءاً بالرئيس الياس الهراوي.
في عهد الرئيس أمين الجمّيل نالت الحكومة صلاحيات استثنائية للتشريع من مجلس النواب لكسب الوقت. وأصدرت حكومة الرئيس شفيق الوزان 161 مرسوماً اشتراعياً تناولت الأمن والدفاع والقضاء والإدارة العامة والتعليم والإعلام والإنماء والتجهيز والأمن الاجتماعي والمال والنقد والاقتصاد. لكنّ حكومة الرئيس رشيد كرامي التي تلتها ألغت 29 مرسوما منها وعدّلت 20 مرسوماً آخر.
ولم يعد سرّاً أن المجلس النيابي منذ ذلك الوقت أصبح متمسكاً بصلاحياته وما عاد مَنَحَها استثناءً لأي حكومة. وعليه، فمجلس النواب الذي يُكثِر من التشريع كل عام -- حتى حين تحول إلى هيئة ناخبة -- غالباً ما قام بنصف المهمة وألقى المسؤوليات على السلطة التنفيذية، بمعنى أنه أصدر قوانين تحتاج إلى مراسيم تطبيقية وهو يعلم أن الحكومات التي كانت صورة عنه وعن توازناته عجزت عن إصدار تلك المراسيم.
الهدف من هذا التذكير هو الإشارة إلى امتلاء أدراج الوزارات بالقوانين التي لا يمكن تنفيذها لعدم إصدار مراسيمها التطبيقية. والآن، والحاجة إلى الإصلاح ماسّة، نقترح على الوزراء أن يفتحوا الأدراج وينفضوا الغبار عن هذه القوانين ويصدروا مراسيمها التطبيقية اللازمة، اختصارا للوقت وخدمة للمصلحة العامة.
لا بدّ من الاعتراف بأن أسبابا كثيرة عرقلت محاولات الإصلاح وأوّلها تغليب المصلحة الفردية على مصلحة البلاد وقوة شبكات الفساد وامتدادها الأفقي والعمودي، وقدرة السلاح على التجميد كلّما تغلّبت الآليات القانونية على محاولات التعطيل.
أمّا الآن فقد تغيّرت الأحوال ونعتقد أن الوقت قد حان للقيام بالخطوة الأولى. وها هو رئيس الحكومة يقول إن الحكومة قد بدأت فعلا بالإصلاح. وما رأيناه إلى الآن هو النجاح في سرعة تأليف الحكومة ونراه دليلاً على رغبة الحكومة في البدء السريع في الإصلاح.
الإصلاح ليس سهلا لكنه ضروري للإنقاذ وضروري لبناء المرحلة المقبلة من مستقبل لبنان
وفي مطلق الأحوال، نحن نعرف أن الإصلاح لا يمكن أن يتحقق بدون وجود حكومة ونعرف أيضاً أن الحكومة نالت الثقة من أيام قليلة فقط.
ونقرّ أيضاً بأن الإصلاح ليس سهلاً حتى لو توافرت له النوايا، خصوصا أن السمة الغالبة لنصف القرن الذي مضى هي الفوضى العارمة رغم مرور فترات قصيرة من الأمن والازدهار الاقتصادي.
لكننا ننتظر الإصلاح وهو الآن يبدأ بالتعيينات، وأهمها الأمنية والقضائية والمالية. رؤوس تلك الأجهزة هم الذين يعطون الصورة الصحيحة عنها وعن سرعة مسار الإصلاح.
بات واضحاً أن الإصلاح يمرّ عبر أولوياتٍ متساوية:
جمع السلاح وحصره في أجهزة الدولة بحيث يتوقف النشاط المسلّح لكل مجموعة أو فصيل أو بقايا ميليشيا على الأراضي اللبنانية. وقد أصبح هذا الأمر ملحّا لأنّ انتشار السلاح في أيدي الناس يسهّل وقوع الجرائم والحوادث الأمنية، على ما يحدث في مختلف المناطق اللبنانية. ويترافق جمع السلاح مع العمل الدبلوماسي الحثيث لإجبار إسرائيل على الانسحاب ممّا لا تزال تحتله من أرضنا.
تكليف الأجهزة الأمنية القيام بمسؤولياتها، كلٌ في نطاق اختصاصه بما فيها ضبط الحدود البرية والبحرية والجوية.
تعيين الهيئات القضائية التي يرتاح إليها الناس. فلا يزال في القضاء جسمٌ سليمٌ وهو الذي يعوَّل عليه لتنظيف نفسه من الشوائب العالقة والسوس الذي ينخره.
تعيين الهيئات المالية والنقدية التي سيتعيّن عليها مساعدة الحكومة في بلورة مشروع يعيد الثقة إلى تلك الهيئات ويعيد الثقة فيها لحفظ حقوق الناس التي حجبتها المصارف عنهم -- لئلا نستخدم تعبيرا آخر.
تعيين الهيئات الرقابية والإدارية التي تحرص على احترام القانون وتطبيقه بالتساوي على الجميع.
بعدها تأتي الخطوات اللاحقة، وهي متنوعة وكثيرة وتشمل الإصلاح التربوي والصحي والاجتماعي والاقتصادي وتفرض مراجعة كاملة للمناهج التربوية.
وها هو رئيس الجمهورية يفتتح برنامج زياراته الخارجية بزيارة المملكة العربية السعودية. وهو سيطمئن المسؤولين فيها أن إرادة الإصلاح جدّية وأن توفير المناخ الأمني له هو الأساس. وهو يعرف أيضاً أن أحدا لن يساعد لبنان قبل أن يساعد هو نفسه وينفّذ ما وافقت عليه وتعهّدت به الحكومة السابقة في الموضوع الأمني وسائر مجالات الإصلاح.
الإصلاح ليس سهلا لكنه ضروري للإنقاذ وضروري لبناء المرحلة المقبلة من مستقبل لبنان.