مع انتخاب رئيس للجمهورية وبدء مسار تشكيل الحكومة، تتجه أنظار اللبنانيين إلى القطاع العقاري، إذ يتوق الشباب اللبناني إلى امتلاك شقق سكنيّة بعد سنوات من الحرمان بسبب إيقاف القروض السكنيّة نتيجة الأزمة الماليّة. هذه الأزمة انعكست على السوق العقاري، باستثناء تحركات محدودة في بداية الأزمة عندما لجأ بعض المودعين إلى شراء العقارات بشيكات مصرفيّة عام 2020.
انخفاض الأسعار وواقع السوق العقاري
شهد القطاع العقاري انخفاضًا كبيرًا في الأسعار بنسبة تراوحت بين 30% و60% بحسب المناطق، نتيجة الأزمات الماليّة والسياسيّة والأمنيّة التي ضربت لبنان. واليوم، مع بوادر الانفراج السياسي، يطرح السؤال: هل تعود الأسعار إلى الارتفاع؟ والأهم، هل سيتمكن اللبنانيون، خصوصًا ذوي الدخل المحدود، من شراء شقق؟
بحسب التقرير الاقتصادي الصادر عن بنك عوده للفصل الرابع من عام 2024، ارتفع عدد عمليات البيع العقارية بنسبة 60%، كما أظهرت أرقام "الدولية للمعلومات" ارتفاعًا في عدد المعاملات المسجلة في الدوائر العقارية من 12,125 معاملة عام 2023 إلى 26,430 معاملة عام 2024. ولكن نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين، وليد موسى، يشير إلى أن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة المبيعات الفعلية، إذ أن معظمها ناتج عن إعادة فتح الدوائر العقارية وتسجيل معاملات كانت متوقفة لسنوات، وليس عن حركة بيع فعلية خلال 2024. ويعتبر موسى أن عام 2024 كان من أضعف الأعوام في التاريخ المعاصر للقطاع العقاري، وذلك لعدة أسباب:
عدم انتظام عمل الدوائر العقارية، ما أثّر على نقل الملكيّة واقتصر المعاملات على عقود البيع.
الوضع الأمني المتدهور، خصوصًا بعد حرب الإسناد أواخر 2023 وما تلاها من مواجهات عسكرية في 2024، ما حدّ من قدوم المغتربين.
غياب القروض السكنيّة، ما حصر عمليات الشراء على القلّة القادرة على الدفع نقدًا.
عدم الاستقرار السياسي، حيث استمر الفراغ الرئاسي معظم عام 2024، مما زاد من عدم الثقة في الاستثمار العقاري.
هل يعيد القطاع العقاري سيناريو ما بعد حرب 2006؟
مع نهاية عام 2024، بدأت الأوضاع السياسية تتحسن بعد وقف إطلاق النار، وانتخاب رئيس للجمهورية، مما زاد من التوقعات بتحسن القطاع العقاري. لكن موسى يرى أن المقارنة بين اليوم وما بعد حرب تموز 2006 غير دقيقة، إذ كان القطاع المصرفي حينها سليمًا ويمنح قروضًا سكنيّة للمواطنين وتمويلات للمطورين، بينما يفتقد السوق اليوم لهذه العوامل.
ويرى موسى أن الانتعاش الحقيقي للسوق العقاري يتطلب إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإعادة منح القروض السكنية ضمن خطة سكنية واضحة. لذا، يقترح موسى إنشاء وزارة للإسكان بدلًا من وزارة المهجرين، لمواكبة الأزمة السكنية ووضع سياسات اسكانية مشجعة للبنانيين والمغتربين والأجانب.
توقعات الأسعار وفرص الاستثمار
مع تحسن الأوضاع السياسية والأمنية، بدأت أسعار العقارات تأخذ منحًى تصاعديًا. ويؤكد موسى أن المستثمرين بدأوا بالتحرك تحضيرًا للمرحلة المقبلة، مدركين أن الأسعار سترتفع مستقبلًا. إلا أن ارتفاع الأسعار وحده لا يعني بالضرورة تحريك السوق، إذ أن عمليات الشراء تبقى ضعيفة بسبب غياب القروض السكنيّة.
أهمية جذب الاستثمارات الأجنبية
يرى خبراء القطاع أن تحفيز المغتربين اللبنانيين والمستثمرين الأجانب للاستثمار في السوق العقاري اللبناني يمكن أن يعوض غياب القروض السكنية. ويشمل ذلك تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية، وتسهيل عمليات التسجيل، وتعزيز الشفافية في المعاملات العقارية.
في النهاية، يبقى القطاع العقاري في لبنان مرهونًا بحلقة متكاملة من العوامل، أبرزها إعادة هيكلة المصارف، إقرار خطط إسكانية شاملة، وتحقيق استقرار سياسي واقتصادي مستدام، ما سيمكن الشباب اللبناني من تحقيق حلم التملك وتحفيز الاستثمار العقاري في البلاد.