في الفترة من 11 إلى 13 كانون الثاني 2025، احتضنت دبي فعالية فريدة من نوعها تُعرف باسم "قمة المليار متابع"، ويهدف إلى تسليط الضوء على صُنّاع المحتوى الرقمي والمؤثرين واقتصاد المُبدعين، وهو قطاع يشهد نمواً هائلاً. هذه القمة، التي تعَدّ الأكبر عالمياً في مجالها، تهدف إلى جمع أبرز الأسماء في هذا القطاع لمناقشة الفرص والتحديات المرتبطة بصناعة المحتوى وتأثيرها الاقتصادي المتنامي.

أكبر قمة لصناعة المحتوى

أقيمت القمة تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي، ونظّمها المكتب الإعلامي لحكومة الإمارات. امتدّت الفعالية ثلاثة أيام في عدة مواقع بارزة مثل أبراج الإمارات، مركز دبي المالي العالمي، ومتحف المستقبل، تحت شعار "المحتوى الهادف".

ركزت القمة على بناء شبكات التعاون والابتكار، وضمت جلسات نقاشية وورش عمل تفاعلية، وعروضاً للعلامات التجارية. وبحسب التوقعات استقطبت القمة أكثر من 15 ألف مشارك من صُنّاع المحتوى، بالإضافة إلى حضور 420 متحدثاً بارزاً، من بينهم شخصيات معروفة مثل مدير مجموعة "إم بي سي" علي جابر، مقدّم البودكاست أنس بوخش، والإعلامي الأميركي تاكر كارلسون. وشارك في الحدث أيضاً أسماء عالمية مثل زاك كينغ، الذي يتابعه أكثر من 175 مليون شخص، وأسطورة الألعاب العربي أبوفلاح، الذي يحظى بقاعدة جماهيرية تبلغ 63 مليون متابع.

كلمات من قادة الصناعة

وزير شؤون مجلس الوزراء في الإمارات محمد بن عبد الله القرقاوي شدّد في تصريح له على أهمية القمة باعتبارها منصّة لتعزيز اقتصاد صناعة المحتوى في المنطقة. وأشار إلى أن النسخة الثالثة من القمة ستشهد إطلاق أكبر جائزة عالمية للمحتوى الهادف بقيمة مليون دولار، مما يشكل حافزاً كبيراً لتقديم أفكار إبداعية تُسهم في خدمة المجتمع.

وأضاف القرقاوي أن صناعة المحتوى تعد قطاعاً اقتصادياً ناشئاً على المستوى العالمي بحجم سوق يبلغ نحو 250 مليار دولار، مع توقعات بارتفاعه إلى 500 مليار دولار في المستقبل القريب. وأكد أن الإمارات تمتلك البنية التحتية الأكثر جاهزية عالمياً لدعم هذا القطاع.

دور قطاع صناعة المحتوى

يعتبر قطاع صناعة المحتوى جزءاً محورياً من الاقتصاد الحديث. فهو يؤثر على سلوك المستهلكين ويعزز الابتكار من خلال استخدام أحدث التقنيات. ويُوفّر أيضاً فرص عمل متنوعة تشمل المؤثرين والمصورين والمحررين والمتخصصين في التسويق. تعتمد العديد من العلامات التجارية على صُنّاع المحتوى للوصول إلى جمهورها المستهدف بأساليب مبتكرة.

يذكر أنه في تشرين الأول 2024، أطلقت جامعة جنوب الشرق للتكنولوجيا (SETU) في إيرلندا أول برنامج بكالوريوس متخصص في صناعة المحتوى. وصرّحت مديرة البرنامج إيرين ماكورميك بأن الهدف هو تعليم الطلاب كيفية الاستفادة من الفضاء الرقمي بشكل ممنهج ومهني.

بيانات السوق وأرباح المنصات

وفقاً لتصريحات سعيد العطر، رئيس المكتب الإعلامي لحكومة الإمارات، فإن عدد صُنّاع المحتوى الرقمي في العالم يبلغ حوالي 50 مليون شخص، يخدمون قاعدة مستخدمين تصل إلى 4.2 مليار فرد عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تشير أبحاث مؤسسة Market Research Future إلى أن سوق المحتوى الرقمي قد يصل إلى 282.3 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 6.3%. كما توقعت شركة Fortune Business Insights أن تصل قيمة سوق منصات التسويق عبر المؤثرين إلى 51.7 مليار دولار بحلول عام 2030، مقارنة بـ 17.4 مليار دولار في 2023، بمعدل نمو سنوي يبلغ 16.8%.

تفاصيل الأرباح على المنصات

تُعَدّ منصات التواصل الاجتماعي مصدر دخل كبير لصُنّاع المحتوى:

فيسبوك: يزور المنصة 3.88 مليار مستخدم شهرياً. يتيح تحقيق الأرباح من خلال مقاطع الفيديو بدءاً من ألف مشاهدة، مع أرباح تتراوح بين 8.75 و10 دولارات لكل ألف مشاهدة.

يوتيوب: ستقبل المنصة 106 مليارات زيارة سنوياً، وتوفر خيارات لتحقيق الأرباح من الإعلانات والبث المباشر. تتراوح الأرباح بين دولارين و12 دولاراً لكل ألف مشاهدة للإعلانات، وقد تصل إلى 24 دولاراً في حال تنافس المعلنين.

إنستغرام: يجذب المنصة نحو ملياري زائر شهرياً، وتُعد من أهم المنصات لصُنّاع المحتوى.

أهمية صناعة المحتوى

من جهته، يلفت خبير التحول الرقمي، رودي شوشاني في حديث الى "النهار" إلى أنّه "مع التغير الكبير في وجه الإعلام ونوعيته، واعتماده المتزايد على الأفراد ومنصات التواصل الاجتماعي، تشهد الساحة الإعلامية تغييرات جذرية. وقد استغرق الأمر سنوات من العمل لتقديم هذا الوجه الجديد للإعلام، والذي يهدف إلى جمع مشتركين من مختلف المستويات: العالمية، المحلية، والإقليمية".

ويشير شوشاني إلى أنّ "الحدث يركز على الحفاظ على جودة المحتوى، مع تسليط الضوء على دوره في خدمة المجتمع وسبل تأثيره فيه. وسيجري مناقشة ذلك من خلال ثلاثة محاور رئيسية: التكنولوجيا، الاقتصاد، والمحتوى"، مضيفاً أن "المؤتمر سيتناول أيضاً الدور الكبير للمؤثرين ووسائل التواصل الاجتماعي في أحداث سياسية مهمة مثل الانتخابات الأميركية أعوام 2016، 2020، و2024، وتأثيرها على صناعة القرار السياسي".

وعن أهمية الحدث لدولة الإمارات، يقول شوشاني إنّ "الإمارات التي دعمت هذه المبادرات بقوة لتعزيز اقتصادها، تسعى الى جعل هذا الحدث واحداً من أبرز المؤتمرات العالمية. ومن المتوقع أن يشهد حضور العديد من الشخصيات البارزة، بينهم ماي ماسك، تاكر كارلسون، جاي شاتي، وزاك كينغ المعروف بابتكاراته في مجال الإنترنت. كذلك سيشهد حضور وجوه لبنانية بارزة مثل جويل الياسبيك، خالد غطاس، طوني خليفة، وكارين وازن، إلى جانب مجموعة من صناع المحتوى اللبنانيين الذين ساهموا في تخطي الأزمة الأخيرة من خلال تقديم محتوى هادف".

ويعتبر خبير التحوّل الرقمي أنّ "هذا الحدث ليس مجرد مؤتمر فحسب، بل منصة لدعم صناع المحتوى وتحفيزهم على تقديم رسائل إيجابية تُساهم في إحداث تغيير ملموس، خاتماً بأن ّ"الحدث المرتقب يُتوقع أن يُحدث ضجة إعلامية كبيرة تمتد إلى ما بعد أيام المؤتمر، ليصبح محطة أساسية في أجندة الإعلام العالمي. نحن أمام قمة تُعيد تعريف دور الإعلام في المستقبل".

في المحصّلة، بفضل دعم الإمارات للمبادرات الابتكارية، تُعد قمة المليار متابع منصة رئيسية لإعادة تعريف دور الإعلام في المستقبل. من المتوقع أن يستقطب الحدث وجوهاً بارزة من مختلف أنحاء العالم، ليصبح محطة أساسية في أجندة الإعلام العالمي. كما يسعى المؤتمر إلى تعزيز دور صُنّاع المحتوى في تشكيل المشهد الإعلامي والاقتصادي الحديث.