خيّب مجلس الوزراء اللبناني آمال العمال مرتين: مرة باسقاطه بند غلاء المعيشة من مرسوم زيادة الحد الادنى للأجور في نيسان 2023، ومرة ثانية باعادته الكرّة بشكل مموّه، من خلال "تغليف" رفضه تصحيح الخطأ، بـ"رداء" التأجيل في جلسة السابع من كانون الثاني 2025، علّه بذلك يقذف هذه الكرة الملتهبة إلى عهد جديد وحكومة جديدة، على غرار بقية الملفات الحياتية والاصلاحية الاساسية.

باختصار، بند غلاء المعيشة الذي رفضت الحكومة إقراره بالتوازي مع التعديل الأخير للحد الادنى للأجور، يتمثّل بإضافة تسعة ملايين ليرة، على الرواتب التي تفوق قيمتها 18 مليوناً. فمن كان مسجلاً على أنه يتقاضى 18 مليون ليرة أو أكثر بقي أجره كما هو عليه، "وهو ما يشكل إجحافاً مزدوجاً بحق العمال والمستخدمين،" بحسب رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة أسمر، "فمن جهة يقضي على التراتبية الوظيفية في الرتب والرواتب، ويقلص من الجهة الثانية تعويضات نهاية الخدمة من الضمان الاجتماعي التي تسدد على أساس الراتب الرسمي المصرّح به."

الرفض الممنهج

على الرغم من تضمين مرسوم تعديل الحد الأدنى للأجور، بند غلاء المعيشة، استناداً على التوافق الذي حصل بين الاتحاد العمالي، ورئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق محمد شقير في مكتب وزير العمل مصطفى بيرم، "تفاجأنا بشطب هذا البند عند إقرار المرسوم في آذار العام الماضي،" يضيف الأسمر، "الأمر الذي دفعنا كاتحاد عمالي عام إلى تقديم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة لإسقاط المرسوم بالشكل الذي صدر به. وتجنباً لإضافة المزيد من التعقيدات، توصلنا مع الوزير بيرم إلى اتفاق على إعادة رفع المرسوم بشكله الكامل إلى مجلس الوزراء في آب الماضي، فأجّل البحث به مجددا، بضغط من صقور الهيئات. وبعد انتهاء الحرب أعدنا الضغط لإقرار غلاء المعيشة بشكل عاجل من خلال مجلس الوزراء نظرا لأهميته بالنسبة لمبدأ العدالة بين العمال، وبالاستناد إلى المراجعة المقدمة أمام مجلس الشورى. وبناء عليه رُفع الملف إلى جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في السابع من كانون الثاني الحالي." وفي حين جرى التصريح إعلاميا أن البحث في الملف أجل لمدة أسبوع واحد، فان أغلب الظن بحسب الاسمر "أن تطول الايام قبل إعادة فتحه من جديد، بانتظار تشكيل حكومة جديدة".

مخالفة قانون العمل

ما يجري على صعيد ملف الأجور "يشكل مخالفة موصوفة لقانون العمل اللبناني،" بحسب المستشار النقابي للمرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أديب بو حبيب، لسببين رئيسيين: عدم كفاية الأجر، وعدم تعديله بشكل مستمر مع نسبة غلاء المعيشة. إذ تنص المادة 44 صراحة أنه "يجب أن يكون الحد الأدنى للأجر كافياً لسد حاجات الأجير الضرورية، وحاجات عائلته، على أن يؤخذ بعين الاعتبار نوع العمل." أما المادة 46 فتنصّ على ضرورة "إعادة النظر في تحديد الأجر الأدنى كلما دعت الظروف الاقتصادية الى ذلك." وإن كان تاريخياً يتم تجاهل مطالب الحركة النقابية باحترام هاتين المادتين وتطبيقهما، فلم يحصل أن يتراجع الحد الأدنى للأجورعما كان عليه. وحتى في حال إضافة تسعة ملايين ليرة، كبدل غلاء معيشة فإن الحد الأدنى للأجور سيبقى أقلّ بحوالي 40 في المئة عما كان عليه قبل الانهيار في العام 2019، حين كانت الجهود منصبة على رفع الحد الادنى إلى 650 دولاراً.

40 مليون ليرة للبقاء على قيد الحياة

في الوقت الذي تراجع فيه الحد الأدنى للأجور من 450 دولاراً قبل الإنهيار إلى 200 دولار راهنا، ارتفعت كلفة "سلة الإنفاق الأدنى للبقاء على قيد الحياة – SMEB"، لأسرة مؤلفة من 5 أشخاص إلى 446 دولاراً، بحسب برنامج الغذاء العالمي، أي ما يعادل 40 مليون ليرة على سعر صرف السوق. وقد شهدت هذه السلة ارتفاعاً بنسبة قاربت 16 في المئة في نهاية 2024 عما كانت عليه في العام 2023. وتتضمن السلة المواد الغذائية الأساسية لتأمين الكافي من السعرات الحرارية، ومواد النظافة الشخصية، وبقية الخدمات الاساسية بالحد الادنى.

المشكلة في التعويضات

البقاء "نظرياً" على قيد الحياة الذي يبدو مستحيلاً لشريحة واسعة من اللبنانيين، انطلاقاً من الارقام، يقابل فعلياً بتسديد أصحاب العمل مبالغ تفوق تسعة ملايين ليرة للاجراء التي يُطالب بها، وبمتوسط رواتب لا يقل عن 500 دولار. "إنما هذه الإضافات على الراتب والتي تسدد غالباً بالدولار النقدي، تعتبر مساعدة اجتماعية، لا تدخل في صلب الراتب ولا يتم التصريح عنها للضمان الاجتماعي للتخفيف من ثقل تعويضات نهاية الخدمة"، برأي الاسمر. إذ من شأن إضافة تسعة ملايين ليرة على الحد الأدنى للأجور، لحوالي 400 ألف عامل تكبيد المؤسسات الخاصة ملايين الدولارات من تعويضات نهاية الخدمة. وعلى الرغم من كون هذه الاضافة قد تزيد مداخيل الضمان الاجتماعي بنسبة 30 في المئة وتعزز تقديماته، فهي قد تدفع بحسب بحسب أحد أرباب العمل، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه إلى "إفلاس الكثير من الشركات، وإقفالها أو هجرتها، وتشريد ما بقي من عمال. وستكون ارتداداتها أخطر بما لا يقاس على الأجراء والأمنَين الاجتماعي والاقتصادي للبلد، وحتى على المؤسسات الضامنة وخزينة الدولة.

قبل البدء بتحقيق الإصلاحات المنشودة، واستعادة النمو الاقتصادي، "من الصعب أن يوافق أرباب العمل على غلاء المعيشة،" يرجّح عضو لجنة المؤشر الدكتور أنيس بودياب. خصوصاً أن هذه النسبة من الأجر ليست إلزامية، وعادة ما كانت تخضع للتوافق بين العمال وأرباب العمل. وهي تنعكس على الكثير من المناحي، منها الإيجارات وأجرة ساعة العمل، والضمان الاجتماعي.

الأمل الوحيد لعمال لبنان بعد انتخاب العماد جوزيف عون رئيسا للجمهورية، يتمثل في تشكيل حكومة فاعلة وقادرة أولاً، والبدء بالاصلاحات التي طال انتظارها ثانياً، عندها يستعيد الاقتصاد عافيته وتعود الاستثمارات فتتحسّن الأجور من دون منّة من أحد.