إن لم يكن مفاجئاً احتلالُ دول مجلس التعاون الخليجي رأس قائمة "أفضل 100 بنك عربي، بناء على رأس المال من الدرجة الاولى،" فان الصدمة أتت من لبنان بإدراج مصرفين في التصنيف. فعلى الرغم من الانهيار المالي واستفحال الازمة النقدية، أظهر تصنيف اتحاد المصارف العربية للعام 2023، امتلاك بنك عودة "رأس مال من الدرجة الأولى"، يبلغ 1.4 مليار دولار، في حين يحتفظ بنك بيبلوس بـ"رأس مال من الدرجة الأولى بقيمة 1.08 مليار دولار. هذا عدا عن امتلاك المصرفين أصولا بعشرات المليارات من الدولارات، بحسب التقرير.

يعتبر "رأس المال من المستوى الأول" (tier 1 capital) واحدا من أهم الرساميل التنظيمية في الخدمات المصرفية والتمويل، إضافة إلى "رأس المال من المستوى الثاني" (tier 2 capital). ويتألف رأس المال من المستوى الاول، من الأسهم العادية، والاحتياطيات المعلنة، أو الأرباح المحتجزة، وقد يشمل أيضاً الأسهم الممتازة غير القابلة للاسترداد. الغرض من "رأس المال المستوى الأول" هو ضمان حصول البنوك على موارد كافية لاستيعاب الخسائر، ومواصلة العمل في حالة حدوث أزمة مالية. وقد أصبح هذا المعيار شرطاً أساسياً من شروط "لجنة بازل" للرقابة المصرفية (لجنة من هيئات الرقابة المصرفية، أنشأها محافظو البنوك المركزية لمجموعة الدول العشر في عام 1974). وعليه يجب على البنوك الحفاظ على الحد الأدنى من رأس المال التنظيمي، ويتم التعبير عنه كنسبة مئوية من الأصول المرجّحة للمخاطر للبنك. على سبيل المثال، إذا كان لدى البنك 100 دولار من الأصول المرجّحة للمخاطر، ونسبة رأس المال التنظيمية بنسبة 10 في المئة، فيجب أن يحمل ما لا يقل عن 10 دولارات في رأس المال التنظيمي".

دلالات التصنيف بالنسبة للبنان

يُظهر التقرير أن أكبر مصرفبن لبنانيين لجهة امتلاك "رأس المال المستوى الاول"، يملكان أيضاً أصولاً بقيمة 18.6 مليار دولار، لكل واحد منهما، و37.2 مليار دولار مجتمعَين. وبقدر ما يعكس التصنيف المرونة النسبية للقطاع المصرفي في لبنان، حتى في ظل التحدّيات الاقتصادية غير المسبوقة، بقدر ما يؤكد على أن "المشكلة في أصلها وعمقها تكمن في السيولة، وليس الرأسمال"، برأي خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي. "فما ينقص النظام المالي هو السيولة النقدية من أجل تأمين سحوبات المودعين، الذين فقدوا الثقة بالمصارف ويعمدون إلى سحب كل ما أتيح من مبالغ، بغض النظر عن حاجتهم لها." هذا عدا عن كون الرساميل تحتسب دفترياً وتقيم بشكل سنوي. ولا تستطيع عادة امتصاص أي خسارة يمنى بها المصرف في هذا الشكل السريع، كما حصل في لبنان.

مصارف قادرة

هذا على الصعيد العام، أما تفصيلياً فيقدّر فحيلي أن "هناك نحو سبعة مصارف لبنانية، استطاعت خلال السنوات الماضية إعادة تكوين السيولة بشكل سخي. وإن كانت هذه السيولة أعجز، بطبيعة الحال، عن تأمين طلبات كل المودعين بسحب كل الودائع دفع واحدة، "فهي على الأكيد تتيح تأمين حاجة المودعين، والعودة إلى التسليف،" من وجهة نظره. "إلا أن غياب الاستقرارين السياسي والامني، المعطوفَين على انعدام الاصلاحات الهيكلية، تحول دون عودة المصارف القادرة إلى السوق. ذلك أن السيولة المكوّنة لديها، ستعود لتخضع للضغوط السياسية، والتقاسم والمحاصصة، في ظل غياب أي إصلاح اقتصادي، ومالي. وقد سبق للسلطتين السياسية والنقدية أن راكمتا الاعباء على المؤسسات المصرفية بشكل كبير في سنوات ما بعد الانهيار. فاقرت إمكانية تسديد القروض بالليرة على سعر الصرف الرسمي، وأصدر مصرف لبنان تعاميم تسديد الودائع بالعملة الوطنية، ما رفع الفوائد بين المصارف وأحيا المضاربة على الليرة. وتبعها التعميم 161 الذي أجاز تسديد رواتب القطاع العام بالدولار، بعد احتسابها على سعر منصة صيرفة الاعلى من سعر السوق". وبالتالي تفضل المصارف إبقاء سيولتها المكوّنة في الخارج وتوظيفها في الاسواق المالية الدولية مقابل فوائد لا تقل عن 5 في المئة، ريثما يتبلور الحل النهائي، بدلا من أن تضيع في "زواريب" السياسية اللبنانية. والمطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى بحسب فحيلي "التوجه لانتخاب رئيس قادر على تحويل السياسة في لبنان إلى طاقة إيجابية كي تدعم الاقتصاد، وترك آلية النهوض للقطاع الخاص الذي اثبت قدرته على الصمود والتأقلم في أصعب الظروف، فكيف إن تأمن مناخ ايجابي للعمل؟!

الإمارات الاولى

على صعيد الدول العربية احتلت الإمارات العربية المتحدة المركز الأول بـ 18 بنكاً في قائمة أكثر البنوك امتلاكا لرأس مال المستوى الاول، من بعدها مصر بـ 12 بنكاً، والمملكة العربية السعودية بـ 11 بنكاً. وتصدر أًحد عشر بنكا سعوديا مدرجا في القائمة من حيث إجمالي رأس المال الدرجة الأولى، والذي بلغ 139.6 مليار دولار، تلتها بنوك الإمارات بنحو 112.2 مليار دولار، ثم بنوك قطر بنحو 59 مليار دولار، ثم الكويت بنحو 35.6 مليار دولار، ومصر بنحو 28.5 مليار دولار، ثم بنوك البحرين بنحو 18.8 مليار دولار.

اجمالي الاصول

أما من حيث إجمالي الأصول، فقد جاءت البنوك الإماراتية في المرتبة الأولى أيضاً، بإجمالي أصول بلغ نحو 1.1 تريليون دولار، تلتها البنوك السعودية بنحو تريليون دولار، والبنوك القطرية بنحو 573 مليار دولار، والبنوك المصرية بنحو 390 مليار دولار.

في الوقت الذي يستمر فيه لبنان بالدوران في الحلقة المفرغة بلغ إجمالي رأس المال من الدرجة الأولى لأقوى 100 بنك عربي 451.9 مليار دولار، بإجمالي أصول يتجاوز 4.16 تريليون دولار. وكما أصبح واضحاً فان المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحوزان على أكثر من 251.8 مليار دولار في رأس المال من الدرجة الأولى، وهو ما يعزز قيادتهما في المنطقة، ويغيب الدور التاريخي للبنان بصفته مصرف الشرق.