بكتاب ملحق، أضافت رئاسة مجلس الوزراء على جدول أعمال جلسة اليوم الثلاثاء السابع من كانون الثاني 2025، ثلاثة مواضيع إضافية، يتصدّرها: "مشروع القانون المتعلق بمعالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها،" وهو المشروع "اللقيط" نفسه، ما قبل الاخير، الذي أنجزته حكومة تصريف الاعمال في الثامن من شباط 2024، وتبرأ منه مصرف لبنان، ولاقى اعتراضات من جمعية المصارف، وأثار حفيظة الهيئات الاقتصادية، ورفض المودعين. فلماذا تُعاود الحكومة محاولة تمريره في الوقت الضائع، قبل جلسة التاسع من كانون الثاني المزمع فيها انتخاب رئيس للجمهورية، ومن بعدها تشكيل حكومة أصيلة يفترض أن تباشر بتطبيق الاصلاحات؟

يحمل "مشروع القانون المتعلق بمعالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها – شباط 2024" الرقم 3 على سلم خطط التعافي. سبقه كل من: الخطّة الإصلاحية لحكومة الرئيس حسان دياب في نيسان 2020 وسياسة الإصلاح المالي والاقتصادي لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي – إستراتيجية النهوض بالقطاع المالي FSRS في أيلول 2022. ولحقه في تموز 2024 بعض التعديلات من ضمن "مشروع خطة إعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي (مسوّدة افتراضية) لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، تموز 2024.

المشروع "تصفوي"

يتفق الجميع، من مصرفيين ومودعين وهيئات اقتصادية على أن مشروع القانون المنوي تمريره "تصفوي." فهو يقضي على الامل باسترجاع ما تبقى من ودائع، (مقدّرة بحدود 86 مليار دولار) من خلال "ليلرتها" وتسديدها على اسعار صرف غير حقيقية، أو تحويلها إلى أسهم في رأسمال المصرف، أو تصنيفها كمبالغ مستحقة في صندوق استرداد الودائع، الذي يشبه "بيع السمك في البحر."

هذا من حيث الشكل. أما في المضمون فتبرز التناقضات فاقعة جدا بين المصرفيين وبعض المودعين والجهات المدافعة عن حقوقهم وصندوق النقد الدولي. ففي حين يصرّ المصرفيّون ومن خلفهم الهيئات الاقتصادية على اعتبار الازمة نظامية، ترتّب على الدولة تحمّل مسؤولية تغطية "الفجوة النقدية" في مصرف لبنان المقدرة بـ 76 مليار دولار، يرى المحامي المتخصص في الشؤون المصرفية الدكتور باسكال ضاهر، أن "الأزمة افتعلت عن قصد. وقد نتجت عن خطأ بشري، وكانت متوقعة الحصول. وهاتان القاعدتان في القانون تنفيان نظرية الازمة النظامية." وعليه يجب تحصيل الأموال من الاشخاص والجهات العامة والخاصة المسؤولة عن تراكم الاخطاء، واستثناء المودع لسببين مبدأيين وجوهريين، وهما:

الاول، أن علاقة المودع بصفته دائناً وليس مستمثراً، هي مع المصرف وليس مع الحكومة أو مصرف لبنان.

الثاني، عدم رد الودائع كما هي يضرب الثقة الائتمانية والمالية في لبنان ونظامه المصرفي إلى أمد طويل، ويفوّت على لبنان فرصة استقطاب الاموال من جديد.

كيفية رد الودائع

وفقا لأخر مسوّدة مشروع إعادة هيكلة المصارف، تقسم الحكومة الودائع إلى مؤهلة بقمية 40 مليار دولار، وغير مؤهلة بقيمة 46 مليار دولار، وتوزعها على ثلاثة شطور:

الشطر الاول، يتضمن الودائع التي تتراوح بين 1 و100 ألف دولار. يحصل المودع صاحب الوديعة المؤهّلة على 100 ألف دولار نقداً مقسّطة على 11 سنة. ويحصل صاحب الوديعة غير المؤهّلة على 36 ألف دولار نقداً، ويوزّع المبلغ على 11 سنة أيضاً. وتقدر المبالغ بحوالي 17 مليار دولار و155 ألف مليار ليرة.

الشطر الثاني، يتضمن الودائع التي تتراوح قيمتها بين 100 و500 ألف دولار. وتُسدّد الودائع المؤهلة بالليرة على أساس سعر صرف يبلغ 45 في المئة من سعر صرف السوق. فيما تسدد الودائع غير المؤهلة بالليرة على سعر صرف يبلغ 30 في المئة من سعر صرف السوق. وتقدر المبالع بحوالي 62 الف مليار ليرة سنوياً، وتمتد العملية لمدة 11 عام.

الشطر الثالث، الودائع التي تفوق 500 ألف دولار، وستوزع على واحد من الاشكال التالية: Bail In، أي استخدامها في إعادة رسملة المصارف القابلة للاستمرار. تسوية جزئية للودائع الكبيرة عن طريق الاستثمار في سندات صفرية Zero coupon bonds. التسوية الجزئية من خلال الصكوك التي يصدرها "صندوق استرداد الودائع". وتقدر المبالغ بحوالي 25 مليار دولار.

المصارف ترفض طريقة الحكومة باعادة الهيكلة

المصارف عبر جمعيتها، ترفض أي خطة لا تتضمن نصاً واضحاً وصريحاً لا يقبل التأويل أو الاجتهاد يوضح أن الأزمة المالية الحالية في لبنان هي "أزمة نظامية" وهو ما يضع المسؤولية على الدولة ومصرفها المركزي لإعادة جميع الإيداعات من مصرف لبنان إلى المصارف لكي تعيدها بالكامل إلى المودعين.

وتأخذ الاراء المصرفية الرافضة لمشروع القانون، تجاهله للمادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تلزم الدولة بتحمل خسائر مصرف لبنان. فلم يلحظ مشروع القانون إلا ضخ 2.5 مليار دولار في مصرف لبنان مقابل فجوة هائلة تفوق 72 مليار دولار، فيما مساهمة الدولة في صندوق استرداد الودائع ستكون هزيلة ووهمية ومرتبطة بشروط وظروف تعجيزية. هذا عدا عن كون تكلفة الخطة على المصارف ستكون باهظة الثمن، برأيها، لأنها تجردها عملياً من الموجودات وتبقي على مطلوبات ضخمة في دفاترها. وهذا ما يجعل الخطة غير قابلة للتطبيق، وتؤدي الى هلاك العدد الاكبر من المصارف، وشطب قسم ضخم من أموال المودعين. هذا عن كون حصة المصارف من تغطية الودائع المؤهلة وغير المؤهلة والـ Zero-Coupon Bond ، ستتسبب بانهيار العديد منها، بحيث يقَدَّر مجموع ما على المصارف أن تموّله من مواردها الدولارية الذاتية ما بين 10 و15 مليار دولار وهذا ما لا تملكه المصارف مطلقاً، حتى ولو جمعت سيولتها الخارجية مع أموال بيع عقاراتها واستثماراتها الداخلية والخارجية. أما ضخ أموال مستثمرين جدد فسيذهب نصفها الى المودعين ويحرمهم بالفعل ذاته من أي مردود يذكر.

لا يمكن الاعتماد على خطاب المدين

التسليم جدلاً بعدم جواز تحميل المودع أي مسؤولية في الاستعمال الخاطئ للودائع، ووجوب ردها كاملة ساعة يطلبها، لا ينفي المسؤولية عن المصارف، "إذ لا يمكن الاعتماد على أرقام وأراء المدين لتحديد ما إذا كان يملك المال من عدمه،" بحسب ضاهر. "والمفروض إجراء التدقيق في ميزانيات المصارف التي ما زالت تصر على انها تربح لغاية اليوم. ومن ثم تحصيل الاموال من أصولها وأموال اصحابها الخاصة ومساهميها وفروعها في الخارج، وملاحقة الاموال المخبأة في شركات باسماء وهمية، وكل من كان مفوّضاً بالتوقيع في المصرف." وإذا ثبت بالتدقيق أن الاموال لا تكفي، "عندها ننتقل لتطبيق القوانين اللبنانية التي تحدد وترعى كيفية التعامل مع الازمات المصرفية،" يضيف ضاهر، بواحد من حلول ثلاثة هي الدمج التمويل الذاتي ووضع اليد.

خلافا لكل ما تحاول السلطة تمريره من قوانين جديدة لمعالجة المشاكل القديمة سواء على صعيد هيكلة المصارف أو قانون النقد والتسليف أو خلافه، يرى ضاهر ان "لبنان لا يواجه نقصاً تشريعياً، إنما انحرافاً تطبيقياً. وما القوانين الجديد التي يحاولون تمريرها، إلا محاولة لتبرئة المرتكبين وتحميل المسؤولية إلى أطراف اخرى لا علاقة لها." هذا عدا عن كون مشروع إعادة الهيكلة الجديد "نصب المصارف بصفة محقق عدلي، ومنحها سلطة التثبت من مشروعية الوديعة وصحة تكوينها، وفي حال عدم اقتناعها لها تحيل ملف الوديعة الى هيئة التحقيق الخاصة التي يصبح من واجبها ان تجمد مبلغ الوديعة،" برأي ضاهر . وبدلا من التلهي بقوانين جديدة، يجب على مصرف لبنان تفعيل سلطته الرقابية على المصارف، وتطبيق المادة 208 من قانون النقد والتسليف (تعيين مدير مؤقت على كل المصارف)، فينتظم الوضع.

في خمسينيات القرن المنصرم عندما واجهت فرنسا مشكلة مصرفية، وضع وزير المالية المصرفيين أمام حل من اثنين: إما إرجاع الاموال من الخارج، وإما مواجهة السجن، فما كان من المصرفيين إلا ان اعادوا الاموال في غضن 24 ساعاة. وهذا ما يدل على أهمية ـخذ الدولة زمام المبادرة والحزم؛ ليس من خلال إضافة المزيد من القوانين التي تضيع الصلاحيات وتشتت الانتباه وتزيد احتمال الفساد، أنما في تطبيقها. ألم يقل يوما المفكر Cornelius Tacite : "Plus l’Etat est corrompu, plus il y a des lois"، يسأل ضاهر، ليؤكد أنه منذ قدم الزمان "كلما كثر الفساد في الدولة كثرتْ القوانين".