صُنّف لبنان هذا العام في عداد أسوأ الدول في العالم بالنسبة إلى العمّال. وقد وُضع في المرحلة الرابعة على "مؤشّر الحقوق العالمية" الصادر عن الاتحاد الدولي لنقابات العمال. ويقيس المؤشّر درجة احترام حقوق العمّال من خلال تصنيف الدول على مقياس من 1 (انتهاكات متفرّقة للحقوق)، إلى 5+ (لا ضمانة بالحقوق بسبب انهيار سيادة القانون).

أبلغ العمّال في الدول التي تحمل تصنيف 4، ومنها لبنان، بانتهاكات ممنهجة بحقّهم. إذ ترتبط الحكومات و/أو الشركات بجهود جادّة للقضاء على حرّية التعبير الجماعية. وهذا ما يعرّض الحقوق الأساسية للعمّال للتهديد. ولا عجب لأنّ المؤشّر في إصداره الحادي عشر صنّف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أسوأ منطقة في العالم في معاملة العمال. إذ تُنتهك الحقوق المعترف بها دوليًا بشكل مستمر، وخصوصًا:

• الحقّ في الإضراب.

• الحقّ في إنشاء نقابة عمّالية والانضمام إليها.

• الحقّ في المفاوضة الجماعية.

•الحقّ في اللجوء إلى القضاء.

لبنان يوقّع اتفاقيات ولا يطبّقها

لبنان، على الرّغم من توقيعه على أكثرية الاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق العمّال، "غير ملتزم تطبيقها"، بحسب رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبدالله. "وقد تعرّض للمساءلة الجدّية في مؤتمر العام الماضي لمنظّمة العمل الدولية، لانتهاكه الاتفاقية الدولية الرقم 29 التي تمنع العمل القسري (السخرة)، المُصدّق عليها لبنان في العام 1977". وذلك على خلفية شكوى مقدّمة ضدّ الحكومة من "الاتحاد". إذ يُمارس العمل الجبري في لبنان على نطاق واسع بحقّ العاملات في الخدمة المنزلية، وعمال الزراعة والمياومين، ولا سيما في القطاع العام، الذين يعملون تحت مسمّيات مختلفة مثل عمال على الفاتورة، ومتعاقدين، ومستعان بهم، ومدرّبين. "ويشترك العمال في عدم تقاضيهم رواتبهم بشكل منتظم، وحرمانهم من الضمانات الاجتماعية، وإمكانية صرفهم في أي وقت"، بحسب عبدلله. "ولعلّ المثال الفاضح على ذلك يبرز عند العاملين في الدوائر العقارية، الذين يعملون منذ أكثر من 20 سنة تحت مسمّى مقدّمي الخدمات. على الرّغم من أنّ بعضهم يتبوّأ مركز رئيس دائرة أو مصلحة، ويوقّع القرارات والمعاملات، فهم معرّضون للصرف بأيّ لحظة من دون إنذار أو تعويضات. وهم محرومون من أيّ تغطية صحية واستشفائية وتعليمية. ومثلهم الكثيرون ممّن يعملون في الجامعة اللبنانية ووزارة التربية والكهرباء والاتصالات وغيرها من الإدارات الرسمية".

انتهاك الحق بالتنظيم النقابي

"التمادي في انتهاك حقوق العمّال، خصوصًا في القطاع العام، يعود بشكل أساسي إلى منعهم من تشكيل النقابات التي تدافع عن حقوقهم. وعملُ السياسيين على استزلامهم وإدخالهم للقطاع العام لغايات انتخابية أبعد ما يكون عن خدمة الوطن والمواطن"، برأي عبدالله. "ولذلك تقدّمنا على مدار السنوات الماضية بمجموعة من الشكاوى المتعلقة بخرق الاتفاقيات 87 و189 و190 و100... وغيرها، التي تَضمن حقّ التنظيم النقابي لكلّ الأشخاص من دون العودة إلى الترخيص المسبق من وزارة العمل، وضمان حرية موظفي القطاع العام بتشكيل النقابات الخاصة، وعدم حصر التمثيل في الاتحاد العمالي العام، وحقّ التنظيم النقابي للعاملين في القطاع العام والزراعة والعديد من المهن".

الانهيار يفاقم وضع العمال سوءًا

عدم احترام حقوق العمال، ولا سيما من حيث الأجر العادل والضمانات الاجتماعية، توسّع بعد الأزمة الاقتصادية شاملًا كلّ العمال والمستخدمين. فانهيار قيمة الليرة وخسارتها أكثر من 90 في المئة من قيمتها بعد العام 2019، وتدهور قيمة تعويضات العمال... هذه كلّها أمور "عرّت" العمّال، ونقلت الوضع من السيىء إلى الأسوأ. وبحسب عبدالله فإنّ "جوهر المشكلة هو عدم احترام قوانين العمل الدولية، بدءًا بقانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي، الذي مضى على إقرارهما 75 و50 عامًا على التوالي. وما زالا لا يطبّقان بشكل كامل، ولم يُعدّلا ليتناسبا مع التطوّر الحاصل. كما نعاني من التمثيل الناقص للعمال في المؤسسات الثلاثية التمثيل مثل الضمان، ومجالس العمل، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والتدريب المهني والنقابي. إذ يحصر التمثيل بالاتحاد العمالي العام الذي لم يعد يمثّل كلّ العمّال، وهو مرتهن لأصحاب العمل والدولة. وغالبًا ما يكون حضوره شكليًا في ما لو حضر، ويتم إسقاط ما جرى الاتفاق عليه من خارج الاجتماعات بشكل معيب ومن دون أن يتوافق مع مصالح العمال. فيما يستبعد بقيّة الفرقاء الذين يمثّلون العمال في الاتحاد الوطني من النقاشات، ويغيب دورهم في الاجتماعات النيابية التي تناقش القضايا الاجتماعية. وهذا أيضًا ينتهك قوانين ومعاهدات العمل الدولية".

العلّة في قانون العمل

"إذن، فإنّ المشكلة الأساسية تكمن في تناقض التشريعات اللبنانية مع المعايير الدولية. فمن أصل 55 اتفاقية دولية تعنى بحماية حقوق العمّال موقّع عليها لبنان، فهو غير ملتزم جديًا أيّ واحدة منها"، بحسب الخبير النقابي والقانوني عصام ريدان. ومن أبرز الانتهاكات، بحسب ريدان، مخالفة لبنان اتفاقيتين وقع عليهما ولهما صلة بمسألة الحريات النقابية، وهما: الاتفاقية 98 المعنيّة بعقود العمل الجماعية. والاتفاقية 151 المتعلّقة بحق التنظيم والعمل النقابي في القطاع العام. تُضاف إليهما مخالفة لبنان اتفاقية العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية في العام 1972، والتي تنصّ على حرّية التنظيم النقابي من دون إذن مسبق أو حتّى ترخيص. ومع هذا يتطلّب تشكيل النقابات إذنًا مسبقًا من وزارة العمل. وما زالت الإدارة اللبنانية مصرّة على هذا الشرط. كما أنّ هناك اتفاقيات دولية موقّعة مع الأمم المتحدة لم يلتزمها لبنان مثل اتفاقية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة واتفاقيات المرأة والطفل وغيرها الكثير.

مطابقة لبنان للاتفاقيات الموقّعة تتطلّب أوّلاً،وقبل أيّ شيء آخر "تحديث قانون العمل"، بحسب ريدان. "وهو الموضوع الذي يعمل عليه بجدّية المرصد الشعبي لحقوق العمال، بالتعاون مع منظمات دولية ومحلية ونقابات ومجتمع مدني. وقد جرى إنشاء اللقاء الوطني من أجل قانون اجتماعي انساني يواكب العصر ويلبّي تطلّعات العمّال في لبنان. ويتم وضع المبادئ الأساسية التي يجب أن يرتكز عليها أيّ قانون عمل مستقبلي".

استمرار لبنان في انتهاك حقوق العمال، وعدم تطبيق القوانين يعرّضه للإدراج على اللائحة القصيرة "short list لمنظّمة العمل الدولية"، بحسب ريدان. وهي اللائحة التي كانت تعرف سابقًا بـ "السوداء". وتؤدّي إلى نبذ الدول التي لا تحترم حقوق العمال، وبالتالي منع الدول مواطنيها من العمل في لبنان أو الاستثمار، ووضع القيود، وحرمانه من المساعدات. الأمر الذي يضرّ جدًا بالاقتصاد. خصوصًا أنّه يأتي عقب إدراح لبنان على اللائحة الرمادية لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الخاصّة بمجموعة العمل المالي.

إنّ العمّال هم القلب النابض للديمقراطية وأصواتهم ضرورية لضمان صحّة الأنظمة الديمقراطية واستدامتها. وعلى العكس من ذلك عندما تُنتهك حقوقهم وتُقيّد فإنّ الديمقراطية نفسها تصبح على المحكّ. وهنا مكمن الخطر.