في الشكل، لا تزال جلسة التاسع من كانون الثاني المقبل لانتخاب الرئيس قائمةً في موعدها. في الشكل أيضًا، أعلن الترشيح الثاني رسميًا بعد سليمان فرنجية مع إعلان النائب نعمة إفرام ترشيحه لرئاسة الجمهورية. زارت اللجنة الخماسية رئيس مجلس النواب نبيه بري، وسفير مصر التقى رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. كما شهدت عين التينة لقاء بين بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

حراك انتخابي يفضي إلى الاستنتاج أنّ البحث بات متقدمًا على مستوى اختيار الرئيس العتيد، لكن ما رشح من كواليس كلّ ما سلف هو أنّ الأوضاع لا تزال على حالها، وأنّ الأسماء المتداولة هي نفسها ولم يتفق الأطراف والأحزاب السياسية على أيّ منها. بل ثمّة انقسام في الرأي حول الخيارات، وإن كانت حظوظ قائد الجيش هي المتقدمة، نظرًا إلى التطورات الأمنية التي تلقي بظلالها على الوضع في لبنان من الجنوب اللبناني إلى سوريا وتعقيداتها.

تؤكّد مصادر سياسية واسعة الاطّلاع أنّ أكثر من دولة غربية وإقليمية دخلت على خطّ ترشيح قائد الجيش، تتقدّمها الولايات المتحدة وفرنسا ولا تعارض السعودية ومصر وصوله، كما يندرج في عداد الأوائل اللواء الياس البيسري والسفير السابق جورج خوري وإن بنسب أقلّ.

وتمضي المصادر قائلة إنه لا يوجد، إلى اليوم، اتفاق على المرشح، وكلّما فوتح بري بمرشح سأل عن أسهم مؤيديه ونسب حظوظه. إصرار بري على عقد الجلسة لا يعني حكمًا الاتفاق على الرئيس، بل قد يمهّد للانتخاب بعد جلسات متتالية يُصار خلالها إلى الاتفاق على رئيس.

حزب الله الصامت الأكبر في الاستحقاق يستبعد أن يُنتخب رئيس بلا توافق، ذلك أنّ التوازنات النيابية لا تزال على حالها، وهذا ما يفرض التوافق بين القوى الأسياسية. والحزب، وإن كان يلمس الضغط الأميركي لانتخاب قائد الجيش، يتريّث في الإعلان عن مرشحه، وهو ما يفضي إلى الاستنتاج أن حزب الله لم يعد في وارد التمسّك بفرنجية الذي تلاشت حظوظ ترشيحه مع انتهاء الحرب الإسرائيلية وسقوط النظام السوري وفرار صديقة بشار الأسد إلى روسيا.

محبط فرنجية، ومن يلتقيه ينقل استياءه من كلّ ما حصل، وهو قد أبلغ إلى المعنيين رغبته في انتخاب قائد الجيش رئيسًا للجمهورية، "نكاية" بخصمه السياسي جبران باسيل، وفي موقف يقرّبه من سمير جعجع الذي لم يقل كلمته الفصل بعد رئاسيًا، وإن أعلن تماهيه مع فكرة انتخاب قائد الجيش.

يتريّث جعجع إلى أن تتوضح معالم الأوضاع في سوريا والمنطقة وربطًا الانسحاب الأسرائيلي من المناطق التي لا تزال محتلة في لبنان. ربّ قائل إنّ جعجع يهندس بهدوء مسألة إعلان ترشيحه، وهو بات على اقتناع بتوافر حظوظ تجعله مرشحًا مقبولًا لا سيما متى دخلت السعودية على خط التفاهم مع السنّة على انتخابه.

دخول إفرام على خطّ الترشح رسميًا يعني وجود تفاهم ما حوله، أو ربما خطوة استباقية لاحتمال ترشيح النائب ابراهيم كنعان رسميًا، وهو الساعي بصمت إلى تلمّس مدى دعمه من قبل الكنيسة المارونية والكتل النيابية. وتقول مصادر مطّلعة إنّ كنعان يجري اتصالات واسعة ويعمل على خط ترشيح نفسه مستندًا إلى علاقته مع بري وحزب الله والقوات اللبنانية.

ورئاسيًا أيضًا، تشخص العيون نحو العلاقة بين بري والقوات. هذه العلاقة تجد مجالاً للتفاهم مع بري كبديل من حزب الله بعد الخسارة التي مني بها باغتيال قادته وتراجع حضوره السياسي مرحليًا.

ورئاسيًا أيضًا، تشخص العيون نحو العلاقة بين بري والقوات

وفي المقابل، يمكن تلمّس وجود تسابق بين مساعي بري إلى انتخاب الرئيس وتسلّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم في واشنطن. يرغب بري في انتخاب الرئيس قبل تسلّم ترامب الرئاسة رسميًا، وإن كان كلام مستشاره بولس مسعد قد يُعتبر تطويقًا لمثل هذه المساعي، وهذا ما يفسّره قوله "من انتظر عامين يمكنه أن ينتظر شهرين إضافيين ريثما يكون ترامب قد نصّب رسميًا".

إلى الساعة، لا يزال الاستحقاق يدور في فلك جوجلة الأسماء والمواصفات. حتى اللجنة الخماسية لا تزال في نطاق التأكيد على حصول الجلسة في موعدها وضمان حضور كلّ الكتل النيابية، أمّا الأسماء فربّما تصبح أكثر حصرًا كلّما توضّحت معالم الأوضاع في المنطقة، والعين على الولايات المتحدة التي ستكون الناخب الأكبر رئاسيًا في بيروت، وهي تسعى لتحييد لبنان عن تردّدات الوضع في سوريا. وهذا يلزمه انتخاب رئيس قادر على ضبط الحدود ونشر الجيش في الجنوب، ومنع حزب الله من بناء قوته وقدراته العسكرية مجددًا، وهذا يتجسد، برأيها، في مرشح كقائد الجيش، مع استعدادها للانفتاح على غيره ما دامت النهاية ستكون في انتخاب رئيس صديق للولايات المتحدة ولا يناصبها العداء.

تصف المصادر المتابعة الوقائع الرئاسية على الشكل التالي: موفد من بري إلى بنشعي عاد خالي الوفاض إلّا من زعل سجّله فرنجية الذي رشح فريد الخازن، وقال إنّ الأمر ليس مهمًّا له، وهو قد يدعم جوزف عون أو حتى سمير جعجع. يدعم بري جورج خوري الذي يرفضه جعجع الذي يريد و14 اذار انتخاب رئيس قوي غامزًا من قناة رفض البيسري وجورج خوري. وتختم المصادر بالقول إنّ تاريخ جلسة الانتخاب ثابت بينما شخص الرئيس لا يزال موضع خلاف.