لأنَّها أجمل من أجمل الرموز التي تجسِّد لبنان والإنسان، ولأنها تجمع الجمال والرِّفعة، في عُربة صوت واحدة، ولأنَّها النَّهر، الجبل، السَّهل، العصفور، الشَّجرة، النَّبع، النَّسيم، الشَّمس، الفيء، الفرح، العطاء...
لأنَّها هذه كلُّها، ولأنَّها طوت من القرن جميعَه، ما خلا عشرًا من السِّنين، خصصتُها بنصوصٍ، طوال عمري الأدبيِّ، أتمنَّى أن تليق بها، وخصصتُها بديوان شعر، يصدر قريبًا، تحت عنوان "فيروز... رحباني"، استلهمت فيه عناوين لأغنيات أدَّتها إمَّا من شعر الأخوين رحباني، وإمَّا من ألحانهما، وإمَّا من شعرهما ولحنهما معًا، وما وددت أن أفرِّق بين أفراد تلك المؤسَّسة الحضاريَّة الرَّائدة القائمة على ثالوث: فيروز وعاصي ومنصور.
ديوان "فيروز... رحباني"، بالمحكيَّة اللُّبنانيَّة، أورد منه ضمن هذه السُّطور، أربع قصائد، وأضيف إليها نصوصًا بالفصحى تختصر ما تعنيه لي تلك الأيقونة الحضاريَّة.
***
أَحْلى وأَشْعَرْ
لا بْشوح،
لا بْشَرْبين وِصْنَوْبَرْ،
لا بْحَوْر، لا بْوِزّال،
لا بْزَعْتَرْ...
يا رَيْت
بَيْتي بْضَيْعتي مَدْروزْ
مِتْل الْغَناني
بِعِرَبْ فَيْروزْ
شو كان أَحْلى
وْشو كِنِتْ أَشْعَرْ...
***
قَهْوِةْ صِبْحنا
إِيّامنا صْواني
وِالْعِمْر رِحْباني...
مْواويل وِحْكايات وِغْناني
وْدِنْيِةْ حَلا بَعْدا عَ الِمْرايي عَروس
وْطايرا بْبال الْقَوافي غِرِّتا.
إِيّامنا صْواني
وْفَيْروز قَهْوِةْ صِبْحنا
رْبينا سَوا، هَـ الْعِمْر، عَ غِنِّيِتا
بْفِنْجان صَوْتا نْبَصِّر،
تْداوي بِصَوْتا جِرْحنا...
وْمِنْ بَنّ صَوْتا تِلْبُس الْحِلْوي
الصَّبِيّي سْوارتا،
وْبِنْت الجّيران
تْطَيِّر بْخَيْط الْفَرَحْ طِيّارِتا...
هَـ الْعِمْر صَيْنِيّي عْلَيا
فِنْجان صَوْتا
وْصِبْحنا بَعْدو بيِطْلَع
تَ يْفَوِّرْ رَكْوِتا...
قِدَّيْش رَحْ يِطْلَعْ بَعِدْ أَحْلى
إِزا فَيْروز شِرْبِتْ قَهْوِتا!
***
ما حَدا التّاني
واحَدْ تنَيْنُنْ
ما حَدا التّاني...
وِتْنَيْنُن الْواحَدْ
مِتِلْ عينَيْن إِمُّنْ
عَ حِلِمْ مَوْعود سِهْراني.
شو بْيِشْبَهو حْجار الْبِبَيْتُنْ
بِالدَّفا وِالشَّوْق غِفْياني،
شو بْيِشْبَهو وْتار الْبِزُقْ
شوف الْوَتَرْ حَدّ الْوَتَرْ
وِمْدَوْزنين وْكيف ما زَنّو
بيِسْجُدْ لَصَبيعُنْ، لَنَقاوِةْ ريشِتُنْ
رِهْبان الِغْناني...
وْما بْيِشْبَهو غَيْرْ حالُن
وْرَشْفِةْ خَمِرْ
بِالْكاس سِكْراني.
عاصي ناطور التَّلْج
مَنْصور الْوَعِرْ
النَّهْر خَيّ طْفولِتُنْ
النَّبْع مِنْ تِطْليعِتُنْ
السَّهْل فَيّ لْبَسْمِتُنْ
راس الجَّبَلْ مَرْجوحِتُنْ
وِتْنَيْنُن الْوَرْدي اللي خَصْرا
ما تِكي عَ سْياج غِنِّيّي وْفَرَحْ
إِلّا وعِشْقاني...
وِتْنَيْنُن مْبارِحْ حِلو
وْبَعْدو الْعِمْر بْأَوَّلو
وْشو الْعِمْر بُكْرا غَيْرْ قَصيدي مْأَلَّفا
الْواحَدْ تنَيْنُنْ
ما حَدا التّاني:
الْأَخَوَيْن رِحْباني.
***
نْجوم صَوْتا
فَيْروز غَنِّتْ،
رَتَّلِتْ... فَيْروزْ...
مِنْ هَيْك يا وِجّ الْأَرِضْ
تاجَكْ سَنابِلْ،
وِبْخَميرِةْ خَجْلِتا، مَخْبوزْ؟
مِنْ هَيْك يا تَوْب السَّما
بِنْجوم صَوْتا عَ الْخَصِرْ...
مَدْروزْ؟
***
أَظُنُّ!
أَظُنُّ أَنَّ اللهَ،
آنَ كَانَ يَخْلُقُ الْكَوْنَ،
كَانَ يَسْتَمِعُ إِلَى صَوْتِ فَيْرُوزَ!
***
من علاماتِ القِيامة
قرارُ صوتِها عَسل. جوابُ صوتِها نَسيم. عُرَبُهُ تموُّجاتُ بحرٍ منْ حنينٍ وَحنان. نبرتُهُ نهرٌ دافقٌ بتراتيلِ العصافير. حدودُه؟ مَنْ قالَ إِنَّ للعطرِ حدودًا؟ في الوعْيِ هوَ الحواسُ السَّبع. وَفي اللَّاوعيِ ضرْبُ جنون. بهِ الصَّلاةُ تزيدُنا خشوعًا، وَيبني الفرحُ في كلِّ نبضٍ منزلًا. أما كانَ قَبْلًا؟ بلى، وَكأنَّا بهِ أوَّلُ الزَّمنِ، وَليسَ إِلَّا على شجوِهِ سيُعلنُ الزَّمنُ انتهاءَه. إِنَّهُ بعضُ المسيحِ المُنتظَرِ مجيئُه ثانيةً. وَنجرؤُ على القولِ: إِنَّهُ علامةٌ فارقةٌ...
منْ علاماتِ القيامة!
***
صوتُ الثمَّانين
(مرَّ زمن لم تصدر فيروز بصوتها جديدًا. آخر إصدار كان "ببالي"، عام 2017. وبصرف النَّظر عن مضمونه، لأنَّه ليس موضوعنا، كتبت آنذاك في صوتها الثَّمانينيِّ، ما أعدُّه تحيَّة لذاك الصَّوت الذي لا يمكن أن يشيخ):
صَوْتُ فَيْرُوزَ، فِي ثَمَانِينِهَا،
أَشْهَى عَسَلٍ ذُقْتُهُ.
يَكْفِي أَنَّهُ الْعَسَلُ الْمُحَلَّى
بِنَدَى صَبَاحَاتِ صَوْتِهَا،
الَّذِي بِهِ تَغْتَسِلُ رُوحِي،
كُلَّ يَوْمٍ،
لِأَشْعُرَ أَنَّنِي مَا زِلْتُ عَلَى قَيْدِ الْفَرَحِ.