شهدت مشاركة النساء في القطاع العسكري في لبنان تطوّرًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، إذ انضمّت النساء إلى مؤسسات أمنية متعددة مثل الجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، والأمن العام، وأمن الدولة، والشرطة البلدية، وغيرها. وعلى الرّغم من هذه المشاركة المتزايدة، فإنّ النساء ما زلن يواجهن تحديات اجتماعية وثقافية ومهنية تجعل مسيرتهن في هذه القطاعات محفوفة بالصعوبات.
عدد النساء في المؤسسات العسكرية
فتح الباب أمام النساء للانضمام إلى المؤسسات العسكرية في لبنان ليس جديدًا، لكنّه تسارع بشكل ملحوظ في العقدين الأخيرين. اليوم، تشير الأرقام إلى أنّ النساء يشكّلن أكثر من 5 في المئة من إجمالي عدد المنتسبين إلى الجيش اللبناني، فيما تصل النسبة إلى نحو 10% في قوى الأمن الداخلي. يشارك العديد من النساء أيضًا في الأمن العام وأمن الدولة، وإن كانت الأرقام الرسمية بشأن هذه القطاعات أقلّ وضوحًا. أمّا في شرطة البلديات، فبدأت النساء في السنوات الأخيرة الانخراط على نحو واسع، خاصة في المدن الكبرى مثل بيروت.
هذه الأرقام لا تزال منخفضة مقارنة بالأرقام العالمية، لكنّها تشير إلى رغبة قوية في زيادة تمثيل النساء في القطاع العسكري. كما أنّ هناك توجهات رسمية إلى زيادة عدد النساء في مختلف المؤسسات الأمنية.
إطلاق "قسم النوع الاجتماعي" في الجيش اللبناني
وفي إطار تعزيز دور النساء في المؤسسة العسكرية، تشرح رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، كلودين عون، في حديثها لـ"الصفا نيوز" أنّ "الجيش اللبناني أطلق أخيرًا "قسم النوع الاجتماعي" الذي يهدف إلى دعم حقوق النساء وتعزيز المساواة بين الجنسين في الجيش. هذا القسم يسعى إلى تذليل العقبات التي تواجه النساء في القوات المسلحة من خلال تقديم الدعم النفسي والمهني إليهن، وضمان التزام الجيش تطبيق سياسات المساواة. ويُعتبر هذا القسم خطوة رائدة تهدف إلى تغيير النظرة التقليدية التي تحصر أدوار النساء بالمهمات الإدارية فقط".
وبحسب معلومات موقع الجيش اللبناني، يضمّ الجيش اليوم 58 ضابطًا أنثى 3 منهنّ برتبة عميد، و4 آلاف أنثى رتباء وأفرادًا، وهذا ما يشكّل 5% من عديده. حاليًا، وبعدما أثبتن قدرتهنّ على تحمّل جميع المشقات، انتقل المئات منهنّ إلى الأفواج المقاتلة والقوات الجوية وانتقل عدد منهنّ إلى الحدود الجنوبية".
المشكلات التي تواجهها النساء في القطاعات العسكرية
على الرّغم من هذه التطورات، ما زالت النساء العاملات في القطاعات العسكرية في لبنان يواجهن مجموعة من التحديات الكبيرة، نفسيةً كانت أو اجتماعية أو مهنية.
تعدد أبرزها خبيرة الحوكمة، ورئيسة "جمعية بيتي" جوزفين زغيب لـ"الصفا نيوز":
- التنمّر وضغط المجتمع: العديد من النساء في الجيش أو الأمن الداخلي يواجهن تنمّرًا من قبل زملائهن بسبب كونهن في بيئة عمل تقليدية يغلب عليها الطابع الذكوري. كما أنّ بعض المجتمعات اللبنانية لا تزال ترى أنّ المرأة غير مؤهلة للعمل في مجالات تعتمد على القوة الجسدية.
- النظرة الذكورية والتحرّش: هناك مشكلة واضحة في النظرة الذكورية داخل المؤسسات العسكرية، إذ يُنظر إلى النساء في كثير من الأحيان على أنهن غير قادرات على تولّي المهمات القتالية، بل يتم توجيههن إلى المهمات الإدارية أو اللوجستية. كما أنّ التحرش اللفظي أو الجسدي، يعدّ تحديًا آخر يواجه العديد من النساء العاملات في هذه القطاعات.
- الصحة النفسية: ضغوط العمل العسكري، فضلًا عن التحديات الاجتماعية، تؤثر تأثيرًا كبيرًا على الصحة النفسية للنساء العاملات في المؤسسات العسكرية. إضافة إلى العمل في بيئة تعتبر تقليديًا "رجالية"، تواجه النساء توقعات مجتمعية عالية قد تزيد من شعورهن بالضغط.
- التقليل من قدرات النساء القتالية: واحد من أبرز التحديات التي تواجهها النساء هو التقليل من قدراتهن في المشاركة في العمليات القتالية. غالبًا تُستبعد النساء من المهمات التي تتطلب القتال المباشر، ويتم توجيههن إلى المناصب الإدارية أو اللوجستية، وهذا ما يعزز الصورة النمطية التقليدية عن أدوار النساء.
- مشكلات الضمان والتعويض: على الرغم من أنّ النساء في القطاع العسكري يستفدن كالرجال من البرامج نفسها المتصلة بالضمان والتعويضات، يواجهن مشكلات تتعلق بالمساواة في فرص الترقية والتعويض عن الإصابات أو الوفاة في أثناء الخدمة. هناك حاجة ملحة إلى وضع سياسات أكثر شفافية وعدالة لضمان المساواة الكاملة.
هل المؤسسات العسكرية مهيّأة لاستقبال النساء؟
"برغم أنّ المؤسسات العسكرية في لبنان بدأت تعزيز حضور النساء في صفوفها، لم تواكب البنية التحتية والتجهيزات الإدارية هذا التطور مواكبة كاملة"، تقول عون، "فالجيش اللبناني، على سبيل المثال، أجرى بعض التعديلات على مستوى التدريب وتخصيص المرافق الخاصة بالنساء، لكنه لا يزال يواجه تحديات في تطبيق سياسات تسهم في تسهيل اندماج النساء في الوحدات القتالية".
وتضيف عون "قامت قوى الأمن الداخلي والأمن العام ببعض الإجراءات لتأهيل النساء في مجالات العمل الميداني، إلّا أنّ تلك الخطوات تحتاج إلى مزيد من التطوير، خاصّة في ما يتعلق بتوفير بيئة آمنة ومهنية للنساء العاملات في هذه المؤسسات. ورغم التقدم الذي تحقق في مجال مشاركة النساء في القطاع العسكري لا تزال هذه المشاركة تواجه عقبات كبيرة. تتطلّب المرحلة المقبلة مزيدًا من الإصلاحات والتعديلات الهيكلية داخل المؤسسات العسكرية كي تكون قادرة على توفير بيئة عمل داعمة للنساء، بالإضافة إلى ضرورة مواجهة المشكلات الاجتماعية والثقافية التي تحول دون تحقيق المساواة".