لوم وعتب وحتى حقد وغضب أحياناً تسكن شرائح لبنانية تدور في فلك "الحزب" من كيفية مساندة المجتمع الدولي، وخصوصاً العربي، وعلى رأسه الخليجي، للبنان في ظل ما يعيشه منذ 8 تشرين الأول 2023، متناسيةً كيف تحوّل لبنان في السنوات الماضية منبراً للتهجّم على هذه الدول، ومصدراً للخطر الأمني والاجتماعي على بعضها.
الأسوأ أنّ هذه الشرائح مصابة بخلل فكري مرتبطة بنظرتها إلى الدولة واعتبارها أنّ هذه الأخيرة عاجزة عن حمايتها والدفاع عنها، وأنّ "الحزب" باستطاعته التعويض عن ذلك وفق قاموسه والممارسات التي يراها مناسبة، ولو على حساب مفهوم الدولة واحترام الدستور والقوانين. يبلغ بها الأمر حدّ التوهّم أنّ على المجتمع الدولي والعربي التعاطي مع الأمر الواقع الذي يفرضه "الحزب" في لبنان والقائم على ثلاثية الهيمنة على:
أ- قرار الحرب والسلم.
ب- السياسات الخارجية ونسج العلاقات مع الدول.
ت- السيادة السياسية والجغرافية والحدودية.
إلّا أنّ المجتمع الدولي، بما فيه العربي، جازم وحاسم بأنّ تعاطيه هو مع لبنان الدولة ودعمه محصور بمؤسساتها الشرعية بما فيها المؤسسة العسكرية، وتضامنه مع الشعب اللبناني الذي لا ولاء له إلّا للوطن. وما القرار الصادر عن القمّة العربية والإسلامية غير العادية التي استضافتها الرياض في 11/11/2024 إلّا خير دليل على ذلك. فعدا المطالبة بإلزام إسرائيل بوقف سياساتها العدوانية وبالدعوة لتجميد مشاركتها في أنشطة الأمم المتحدة، فضلاً عن حشد التأييد الدولي للاعتراف بدولة فلسطين وفق حل الدولتين، أكّد المجتمعون على "الدعم المطلق للجمهورية اللبنانية وأمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة مواطنيها".
القرار مؤلف من 38 نقطة خُصّصت ثلاث منها هي 8 و 9 و 32 للبنان. فبالإضافة إلى تأكيد التضامن مع الجمهورية اللبنانية في مواجهة هذا العدوان، دان بشدة:
أ- العدوان الإسرائيلي المتمادي والمتواصل على لبنان وانتهاك سيادته وحرمة أراضيه.
ب- الاستهداف المتعمّد للجيش اللبناني ومراكزه، والذي أدّى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى في صفوفه.
ت- قتل المدنيين والتدمير الممنهج للمناطق السكنية والتهجير القسري للأشخاص.
ث- الهجمات المتعمّدة لإسرائيل على "اليونيفيل"، والتي تشكل انتهاكات مباشرة لميثاق الأمم المتحدة ومطالبة مجلس الأمن الدولي بتحميل المسؤولية لإسرائيل لضمان سلامتها.
المجتمع الدولي، بما فيه العربي، جازم وحاسم بأنّ تعاطيه هو مع لبنان الدولة ودعمه فقط يكون لمؤسساتها الشرعية بما فيها الجيش.
الأهمّ أنّ النقطة 8 حملت خارطة طريق لإنقاذ لبنان تقوم على:
أ- الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.
ب- التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 بمندرجاته كاملة.
ت- تأكيد دعم المؤسسات الدستورية اللبنانية في ممارسة سلطتها وبسط سيادة الدولة اللبنانية على جميع أراضيها.
ث- تأكيد دعم القوات المسلحة اللبنانية باعتبارها الضامنة لوحدة لبنان واستقراره.
ج- التشديد على أهمية الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة استنادًا لأحكام الدستور اللبناني وتنفيذ اتفاق الطائف.
فيما حملت النقطة 32، إلى جانب دعوتها إلى مواصلة تقديم الدعم والمساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة للحكومة اللبنانية لمواجهة تداعيات العدوان الإسرائيلي، بما في ذلك مواجهة أزمة النازحين إلى أن يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم وتأمين مقومات العيش الكريم لهم، حملت تلك النقطة ما يصلح أن يكون البند "ح" من خارطة الطريق، وهو:
ح- وجوب تطبيق إصلاحات تسمح للدول الشقيقة والصديقة للبنان بالمشاركة في دعم اقتصادها لمساعدة الشعب اللبناني على الخروج من أزمته المعيشية التي يواجهها.
قمّة الرياض تحاكي الدولة لا الدويلة، وعلى جميع اللبنانيين الاقتناع بأنّ ذلك يشمل كلّ المجتمع الدولي الذي يريد التعطي فقط مع دولة "24 قيراط". لذا القرار:
* ندّد باستهداف الجيش اللبناني و"اليونيفيل" والمدنيين، فيما لم يأتِ على ذكر اغتيال الأمين العام لـ"الحزب" السيد حسن نصرالله ورفاقه أو مجزرة تفجير الـpagers.
* لم يتوقّف عند "االمراوغة" السياسية من قبل البعض عندنا. بل كان جازماً بالدعوة الى تنفيذ الـ1701 بمندرجاته كلها، أي الـ1559 و 1680 واتفاق الطائف وبسط سيادة الدولة اللبنانية على جميع أراضيها.
* دعم القوات المسلحة اللبنانية باعتبارها الضامنة لوحدة لبنان واستقراره، وهذا يعني أن لا أحد غيرها يردع الخطر عنه ويوفّر هذا الاستقرار.
* دعا إلى الإسراع إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومة استناداً لأحكام الدستور اللبناني وتنفيذ اتفاق الطائف، ولم يربط انتخاب الرئيس بوقف إطلاق النار.
* ربط مساعدة الشعب اللبناني على الخروج من أزمته المعيشية بالإصلاحات التي تشكّل ممراً إلزامياً لا مفرّ منه منذ مؤتمر "سيدر" الذي استضافته فرنسا في 6/4/2018. فرغم كل الظروف التي عصفت بلبنان منذ ذاك التاريخ من انهيار مالي واقتصادي غير مسبوق عقب 17 تشرين عام 2019 إلى انفجار المرفأ عام 2020 إلى الفراغ المتفشي من رئاسة الجمهورية إلى مواقع عدة وصولاً إلى الحرب القائمة اليوم، فلا مساعدات جدية للنهوض بلبنان من دون إصلاحات. وتالياً لا جدوى من انتخاب أيّ رئيس إذا لم يكن قادراً على السير بهذه الإصلاحات، وأبرزها ضبط المعابر الحدودية الشرعية وإغلاق تلك غير الشرعية، ولا تمويل للإعمار من دون إصلاحات.
قمّة الرياض ندّدت باستهداف الجيش و"اليونيفيل" والمدنيين، فيما لم تأتِ على ذكر اغتيال الأمين العام لـ"الحزب" السيد حسن نصرالله ورفاقه أو مجزرة تفجير الـpagers.
الدول العربية والإسلامية حسمت عبر القرار حصر تعاطيها مع السلطة الفلسطينية والدولة اللبنانية، فيما "حماس" و"الحزب" اللذان كانا شريكين في الواقع القائم اليوم لن يكونا شريكين في الحلّ ولم يأت على ذكرهما. الرئيس الفلسطيني محمود عباس شدّد في كلمته خلال القمة على "وجوب أن تتولى السلطة الفلسطينية مسؤوليتها السيادية"، فليت الرئيس نجيب ميقاتي اختصر كلمته بالالتزام بأن تتولى الدولة اللبنانية مسؤوليتها السيادية.